( سالم مدلول الحسيني )
إنَّ المتأمل في المشهد السياسي العراقي يقف عاجزاً عن تفسير أحداثه ، وما تفرزه حركته في الاتجاهات المتعددة حيث تختلط المفاهيم وتشتبك المواقف ، فتصبح المبادئ حالة مرحلية يقتضيها فن التعامل مع المتناقضات ، وتندك الأسس والثوابت لتصبح كأنها أعجاز نخل منقعر ، وتنصهر كل المعاني السامية في بوتقة الأمر الواقع ، وتحترق الوعود في أتون نار مرجل الصراع من اجل السلطة .فبعد أن حطت الانتخابات الأخيرة أوزارها ، وظهرت نتائجها التي أدهشت الكثيرين ، حيث سجلت تقدما لقائمة ائتلاف المواطن مقابل تراجع نسبي لائتلاف دولة القانون ، وبغض النظر عن دراسة أسباب تقدم تلك وتراجع هذه ، انكشفت عورة عمرو بن العاص وبانت سوءته ، ورفعت فوق رماح الشنآن مصاحف نتائج الانتخابات ، وهتف القوم - وياله من هتاف تطرب له نفوس جماعة ، ويرقص على نغماته آخرون - أن لا حكم إلاَّ لمن يكتمل له النصاب ، يرفع من يشاء ، ويضع من يشاء ، بيده السلطة ، وهو على إقصاء من يشاء قدير .لذلك تجد القوم قد تظافرت جهودهم من اجل أن يحوزوا قصب النصاب ، فبذلت الأموال ووهبت المناصب وأصبح الصوت ( العضو ) يساوي في مزاد التفاوض نائب محافظ أو معاونه أو نائب رئيس مجلس محافظة وهلم جرا .وقد وصل اللهث وراء المناصب ولو على حساب القيم والمبادئ ووخدمة أبناء المحافظة أن بلغ الانحطاط ببعض الكتل حداً يصعب على الشريف تصديقه فقد قامت بالتفاوض مع جهتين فحيثما تحقق لهم ما أرادوا واكتمل بهم النصاب صوتوا ، ملقين وراء ظهورهم الارتباط الأخلاقي ، ومتنكرين لعهودهم ووعودهم التي قطعوها وإنما مثلهم كمثل مروان بن الحكم في معركة الجمل حيث يرمي بسهمه تارة صوب معسكر الإمام علي ( ع ) وأخرى صوب معسكر عائشة وحينما سأل عن ذلك قال (( حيثما أصابت فتح )) لكن ثمة أمرين مهمين متلازمين غابا عن معادلة الصراع على السلطة وهما الشعب والبرنامج الانتخابي رغم أنهما كانا أهم وابرز الحاضرين خلال الدعاية الانتخابية . ومن هنا يبرز السؤال الأهم هل بقيت كتلة في ذي قار تقف الى جانب الشعب ولو على حساب المنصب ؟وقد يبدو الجواب عسيراً في خضم الواقع المرتبك ولكن إذا نظرنا بموضوعية وحيادية وشفافية سوف تتجلى الحقيقة وتنجلي الضبابية ويبدو الأمر واضحا لكل ذي لب ولمن ألقى السمع وهو شهيد فإن الكتلة التي ضحَّت بكل المناصب التنفيذية والمهمة في المحافظة ولم تتحالف إلاَّ على أساس البرنامج الانتخابي هي كتلة المواطن التي أثبتت أنها تقف مع أبناء شعبها وتحترم خياراتهم . وقد يعترض علينا البعض بان كتلة المواطن هي أكثر المستفيدين باعتبارها تفاوض من أجل منصب المحافظ ومن يؤتى هذا المنصب فقد أوتي خيرا كثيرا . والجواب على هذا الاعتراض أن منصب المحافظ وإسناده إلى الأستاذ عزيز كاظم علوان ليس خيارنا بل هو مطلب جماهيري ولأننا مع المواطن في كل المواطن لذلك نزلنا عند رغبتهم ولولا ذلك لطوينا عنه كشحاً وسدلنا دونه ثوباً كما فعلنا بباقي المحافظات كميسان التي أصرَّت كتلة المواطن على أن تكون للأستاذ علي دواي لازم وهو من كتلة الأحرار باعتباره مطلباً جماهيرياً ، بل حتى البصرة تنازلت عنها كتلة المواطن لائتلاف القانون حسب اتفاق جرى بين سماحة السيد عمار الحكيم ودولة رئيس الوزراء نوري المالكي ولكن بعد مضي خمسة وخمسين يوما على الاتفاق نقضه الأخير بدعوى عدم قبول الكتل المتحالفة معه عليه وطلب ان ينتقل ملف التفاوض والتحالف الى المحافظات فحدث مالم يكن يتوقعه المالكي حيث أفضى التحالف في المحافظات الى فقدانه بغداد بعد البصرة وميسان ما جعله يرمي بثقله كله وبكل مايستطيعه من إمكانيات من اجل أن لايفقد باقي المحافظات فكانت ذي قار ساحة للصراع والاحتراب ولم يكتمل النصاب .
https://telegram.me/buratha