ما الذي سيتركه انتخاب حسن روحاني رئيسا لجمهورية إيران ألإسلامية من اثر على الملفات الخارجية المعقدة ومنها الملف النووي الإيراني؟..ما هي الخطوة التالية لإيران بالشأن السوري؟ ما الذي سيتغير بعلاقتها مع المقاومة الفلسطينية؟..هل سنشهد تغيرا بالعلاقة بين إيران وحزب الله؟ ما الذي سيتغير بآفاق العلاقة مع العراق!؟..هل سيحصل شيئا ما بالعلاقة مع السعودية؟..هذه عينة من الملفات التي تحدث الإعلام الغربي عنها ممنيا نفسه بأن تغيرات مهمة تنتظرها على يد الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني...
وتقدم نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية مؤشرات إلى أن الرئيس الفائز حسن روحاني، يكاد يكون من أقوى رؤساء الجمهورية الإيرانية منذ ثورة 1979، سواء من حيث عدد الأصوات التي نجح في الحصول عليها منذ الجولة الأولى في الانتخابات، أو من حيث توقيت انتخابه. وبرغم ذلك فإن حجم التغيير الذي يمكن أن يحدثه في سياسة إيران الخارجية قد يكون محدود، ولا يمثل خروجا عن الخط العام الذي ميز سياستها خلال الفترة الماضية.
فبالإشارة الى أن النسبة التي فاز بها روحاني، والتي تعتبر مفاجأة للمراقبين السياسيين من غير ألإيرانيين، هي ليست كذلك بالنسبة للإيرانيين، مثلما كانت أيضا نسبة المشاركة بالأنتخابات مفاجأة حزينة للغرب ودوائره وإعلامه، فأنها ليست كذلك أيضا للشعب الإيراني الذي بعث برسائل مهمة، وباتجاهات متعددة ومن بينها الى أصحاب الأمنيات المريضة..!
والمفارقة أن حجة الإسلام الشيخ حسن روحاني والذي فاز بأصوات 52% من الناخبين الإيرانيين الذين زادت نسبتهم عن 75% من الذين يحق لهم التصويت، يوصف بأنه "إصلاحي"، مع العرض انه الوحيد من بين المرشحين الذين خاضوا الإنتخابات الرئاسية الإيرانية ينتمي الى المؤسسة الدينية.. وهي مفارقة تستدعي التأمل الذي سنقاربه في تالي السطور..
فبالنسبة للإيرانيين، فإن أي حديث عن الخيار "الإصلاحي"، حديث لا معنى له ولا يمت الى الواقع بصلة، فإيران الدولة، تمارس العمل الإصلاحي بطريقة مستمرة، والإصلاح يمارس في كل لحظة هناك، وهنا يتساءل معلق سياسي خليجي بدهاء متميز: إذا كان روحاني يوصف بالإصلاحي؛ فهل أن الذين سبقوه يمكن أن يطلق عليهم تسمية المخربين مثلا..!؟
وفي هذا المقام لابد من القول أن مبادئ الثورة الإيرانية ثابتة ولا تتغير، منذ أن فجرها الإمام الراحل الخميني "قدس سره"، وفترة حكم نجاد التي امتدت لمدة ثماني لم يمضها عبثا، أو في تثبيت حكم فردي أو صناعة مجد شخصي، فقد كان نجاد رجل مرحلة مهمة في حياة الإيرانيين، أدى ما يمليه عليه الواجب وخدم الشعب الإيراني وفقا لمعايير الثورة فحسب، وبناء الدولة لم يكن مهمة خاصة به، بل يمكن القول وبلا شك أو مواربة، أن نجاد كان جزءا من منظومة بناء الدولة، وعمل الى حد كبير وفقا لمباديء الثورة الإسلامية..
أن الرئيس الإيراني الجديد الشيخ حسن روحاني ابن الثورة، وقراءة مبتسرة لسيرته تفصح أنه عاصرها منذ أن كانت جنينا، ومهمة بناء الدولة الإيرانية مهمة جماعية ومؤسساتية، ونجاد ومن كان قبله رئيسا، ومن سيأتي بعد روحاني جميعا يقعون ضمن هذا التوصيف: أدوات في بناء الدولة، يخضعون للقرار الشعبي وللثوابت الإسلامية التي يحكم مساربها قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنائي ..
أن إيران دولة لم تبن على عجل، بل بنيت لبنة فوق لبنة وحجرا فوق حجر، أحكم ربطها بمواد متينة وعرى وثيقة لا يمكن تفكيكها، كما لا يمكن فك أسرارها لغير رجالها..
إن الثورة الإسلامية بنت دولة لا تزول بزوال الرجال، ورجال الثورة ومن مختلف مشاربهم حريصون على ما بنوه، سيما وأن الدولة الإيرانية دولة مؤسسات، القرار فيها يتحرك في دوائر متعددة تسير ألأمور بطريقة تراتبية معقدة لا يمكن لأي دائرة من هذه الدوائر أن تتفرد بالقرار..
وفيما يتعلق بالشأن السوري كعينة لما ستكون عليه السياسة الخارجية الإيرانية في عهد روحاني، فإن القراءة للأمر ممكنة وفقا للوقع الجيوسياسي لسوريا وما حولها بالنسبة لإيران، وليس لمن سيكون رئيسا على إيران، وعلى سبيل الإيضاح، فبالنظر الى أن روسيا التي هي بعيدة جغرافيا عن سوريا، تعتبر قضية سوريا بالنسبة لها قضية حياة أو موت...!.. فكيف الحال مع إيران التي تربطها بسوريا والمقاومة وبحزب الله علاقة تصل الى درجة أن إيران تعتبر الراعي الأبوي لهذا الخط المقاوم؟
إن من لا يفهم الثورة الإيرانية يتصور أن حسن روحاني سيحدث انقلابا بالسياسة الخارجية ألإيرانية وبالملف النووي الإيراني وبقضية سوريا، ولذلك بدأنا نسمع تصريحات من مسؤولين غربيين وأمريكان، وحتى من قادة عرب تفيد بأن روحاني سيكون منفتحا على السياسات الغربية ..
إن حسن روحاني لم يأت لإحداث انقلابا على الثورة ألإيرانية، ويفترض أن تفهم الأمور على أساس أن ألأهداف في إيران موجودة أما الآليات فربما تتغير، وحسن روحاني ليس أكثر من آلية من آليات الثورة مثلما أشرنا، حاله حال كل أبناء الثورة الإسلامية في إيران.. وحتى نسبة التغيير في الآليات لا يمكن أن تتغير بنسبة تزيد على 10%، وهي النسبة المعيارية المقبولة التي تفرضها سنن التطوير..والفرق كبير جدا بين التطوير والتغيير..
https://telegram.me/buratha