في قراءة عقلائية لمخرجات العمل السياسي وعلى مر التاريخ، فإن ثمة ما يفيد بأن أفضل طريقة لإدارة الأزمات السياسية، هي إحترام الخصوم وإنصافهم، بدلا من محاولات تدميرهم وإنهائهم، ولا يتأتى ذلك إلا بالإستماع لهم أولا، وثم قبولهم كطرف معارض محترم الوجود والإرادة..
ويقينا أن المرحلة الحالية والقادمة، تتطلب معارضة سياسية راقية، لكن ذلك يتطلب أن يدرك من يسلك مسلك المعارضة في العمل السياسي، لماذا ولأجل من يعارض؟..وأن تضع المعارضة أهدافا مرسومة بدقة بعيدا عن إقحام الخاص بالعام، وهي أيضا بحاجة الى أن تتمرن على أساليب العمل المعارض، بدلا من الركون الى الفوضوية..
إن سلوك مسلك المعارضة عمل شجاع بلا ريب، ولكن كما هو معلوم فإن الحد الفاصل بين التهور والشجاعة لا يكاد يرى في أغلب الأحيان..
إن المعارضة يجب أن لا تتحول الى مسلك دائم، بمعنى أن تتحول الى معارضة من أجل المعارضة، ولابد للمعارضين أن يرسموا خارطة لما بعد المعارضة، بمعنى أن يضعوا خططا متكاملة، أو على الأقل خطوطا عامة لما يتوجب عليهم فعله فيما لو احتلوا مواقع من يعارضون..
وفي مسلكهم المعارض، فإن من متطلبات بناء معارضة فاعلة ومقبولة شعبيا أن لا تتطرف في مطالبها، بل أن يكون لهذه المطالب سقف ممكن، صحيح أن المعارضة وكجزء من تكتيكات العمل السياسي ترفع سقوف مطالبها الى حد فوق الممكن، لكن هذا الحد لا يجب أن يكون بعيدا جدا، وبما يصنع مواقف مضادة متشنجة، ويعطي للمقابل فرصة للرفض المبرر..
إن المعارضة النشطة الفاعلة لا تغلق الأبواب بوجه الحلول، وعليها أن تدرك أنه لا توجد مشكلة وليس لها حل، وأن معظم الحلول مرتبطة بالزمن، فما كان مشكلة بالأمس تجاوزه اليوم، وما هو مشكلة اليوم قد يتجاوزه الغد، الزمن وكما يقول الموروث الشعبي أكبر حلال للمشاكل، بعض المشاكل تصبح "عتيقة" فنألفها وتتحول الى جزء من تكويننا، وحتى لو كانت تلك المشكلات عبارة عن أخطاء جسيمة، فأنها تتحول الى "أخطاء واقعية"، أي واقعا معاش..
إن المعارضة البناءة الناجحة هي التي يمكنها أن تزرع تصورا لدى المواطن، بأنها يمكنها أن تنجح فيما تطالب به، وأنها على معرفة بترجيح المصلحة على المفسدة، توحد وتهدف للبناء لا للهدم..وأنها معارضة نسبية لا تحتكر المطلق والحقيقة الكاملة وتدعي المعرفة الشاملة، وأن تؤمن بأنها تخطىء وتصيب، وعندما تخطىء فإنها بذات الشجاعة التي اختارت بها الوقوف في مواقع المعارضة، تتراجع عن أخطائها وبما يعزز مكانتها لدى أنصارها وخصومها على حد سواء..
كلام قبل السلام: الذين يقاومون النار بالنار، يحصدون الرماد.!
سلام..
https://telegram.me/buratha