المقالات

معنى الميثاق العشائري الآن /

545 01:35:00 2013-06-23

حافظ آل بشارة

لقاء رؤساء العشائر في مكتب السيد عمار الحكيم وتوقيعهم ميثاق شرف وطني ، حدث يشحذ الذاكرة ويعود بالناس الى احداث عراقية كان فيها النظام العشائري خندقا خلفيا لحماية الشعب وحفظ الحياة والعرض والمال عندما تنهار منظومة الدولة الرسمية ، وهناك تسلسل تأريخي واضح ، فمنذ سقوط الدولة العثمانية اصبحت الدولة الرسمية في العراق (دولة الانتداب البريطاني) كيانا هشا وضعيفا ، وكان هناك فراغ أمني وسياسي في العقود الثلاثة الاولى من القرن الماضي ، وقد شغلت سلطة العشائر هذا الفراغ وهي لا تعبأ كثيرا بالانتماء الطائفي وحتى القومي وعرفت الهيئات العشائرية العراقية كرموز توحيد متحررة من العقد وتضم في خيمتها العشائر العربية والكردية والتركمانية ووجهاء الاديان الاخرى... فبقيت مع وجود الاحتلال البريطاني عنصر توازن مهم في ادارة البلد ، وذات يوم قام الحاكم البريطاني من كرسيه ومشى مسافة ليستقبل رئيس عشيرة دخل عليه وكان شيخا رث الملابس وعندما سألوه عن سبب احترامه الزائد لهذا القادم قال : هذا يمتلك ثلاثة آلاف بندقية كلها يمكن ان تقاتلنا باشارة منه ، ولعل ثورة العشرين وما تركته من انطباع قاس في اذهان البريطانيين حول العشائر العراقية جعلتهم يدرجونها ضمن مفاتيح الحل في مستقبل العراق ، وفي وثائقهم يؤكدون ان العشائر هي مادة التعبئة الشعبية للمرجعية الدينية التي قادت ثورة العشرين وجميع المواجهات المسلحة مع الاحتلال البريطاني ، كان أغلب شيوخ العشائر مبدأيين أي يشعرون ان الوجاهة تصنع المسؤولية ، لذا شهد العهد الملكي منذ سنة 1921 الى 1958 حالة توازن أخذ يتطور الى تنافس احيانا بين نفوذ العشيرة ونفوذ الساسة والاحزاب ومعهم كبار العسكر ، وهذا هو السبب المباشر الذي جعل بعض رؤساء الوزراء المتعاقبين يقمعون العشائر ، فيعتقلون شيوخهم وينفون بعضهم الى مناطق نائية وقد يقصفون قراهم بالمدفعية كما فعل بكر صدقي ورشيد عالي ، لكنهم كانوا يردون لهم الصاع صاعين ، الحكم الملكي في العراق حسم المعادلة مع العشائر باستخدام الضد النوعي فصنع عددا من الاقطاعيين فهيمنوا على الاراضي وحولوا العشائر الى قوة عاملة ينهكها الفقر وتتراجع عن دورها المؤثر في القضايا الوطنية ، الأمر الذي جعل ثورة تموز سنة 1958 التي انهت الحكم الملكي تجعل القضاء على الاقطاع احد اهم شعاراتها ، لذا اصبح قائد تلك الثورة عبد الكريم قاسم يمتلك تاييدا اسطوريا في اوساط المجتمع الريفي والكادحين ، ولكن النظام العشائري لم يتمكن من استعادة نفوذه ، اما نظام صدام فقد اخضع مشيخة العشيرة للتنظيم الحزبي واستخدم الضد النوعي مع القمع والعسكرة ، وبعد التغيير في العراق سنة 2003 اصبحت العشائر من ابرز قوى المجتمع المدني ، فاتخذت موقعا تحتله لأول مرة منذ انهيار الدولة العثمانية ، لاسباب مماثلة فالعملية السياسية لم تثمر دولة قوية ، لذا عاد المواطن الى خيمة عشيرته بحثا عن الحماية ، وعادت تلك الاسماء اللامعة بعد ثمانين عاما تتردد على السنة الاحفاد : الخيون ، آل سكر ، آل ابو طبيخ ، الياور ، السليمان ، العطية ، الهذال ، الضاري ، الشعلان ، وغيرهم كثير ، اسماء لرؤساء عشائر اثروا في تاريخ العراق المعاصر ، اخذ احفادهم يتخذون منهم القابا مشرفة لتزيين اسماءهم في اشارة الى ازدهار سلطة العشيرة مرة ثانية في ظل الضعف والفوضى والارهاب بعد سقوط نظام صدام ، فاتضح ان العشيرة العراقية ما زالت خندقا خلفيا تتراجع نحوه الحياة الاجتماعية بحثا عن الحماية ومواجهة الاخطار .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك