د. جواد كاظم البكري جامعة بابل
قبل يومين شاهدت ما لم اقرأ عنه أو اسمع منذ عصر الجاهلية، شاهدت مقطعاً فديوياً يصوّر مجموعة من رعاع مصر بعصيّهم وهم يهاجمون شيخاً شيعياَ سبعينياً أعزل قرب عاصمة (أم الدنيا) في ضاحية زاوية أبو مسلم بمدينة الجيزة ، ذكرتني هذه الحادثة بما تعرض له صحابة رسول الله (ص) من مشركي قريش، فقد عمد المشركون الى اقتحام بيت ياسر بن عامر بن مالك المذحجي أب الصحابي الجليل عمار ابن ياسر، وقتلوه مع زوجته وجروه في أزقة قريش، والكثير غيرهم.هذا الشيخ السبعيني هو حسن شحاته، أحد كبار الشيعة في مصر، كان الألاف من المصريين يحتشدون في مسجده الواقع أمام السفارة الإسرائيلية، ليأتمون بصلاته، وليستمعوا إلى خطبه ومحاضراته، التي طالما صدع فيها بالحق، وطالما فضح فيها الظالمين والمنافقين والفرق المنحرفة، وطالما هاجم فيها الصهاينة أمام سفارتهم عندما يعلو صوته ليصل إليهم، فيتخذون إجراءات الأمن الإحترازية، مرتعدين خوفاً.لقد حمل مجموعة من الحرافيش المصريين البنزين والغاز، والسكاكين والآلات الحادة والأسلحة النارية، واستطاعوا اقتحام منزل مصري مسلم آخر من مذهب مختلف عن مذهبهم، واختطفوا أربعة أشخاص من بينهم الشيخ حسن شحاتة، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح، حتى لقوا حتفهم، ثم مثلوا بجثثهم في الشوارع، في مشهد لا يليق بمصر وبـ(بثورة 25 يناير) التي من المفترض انها اندلعت من أجل الحرية، وليس الطائفية والكراهية، ولكن هذه الحكومة أججت دعاوى التكفير وخطاب الكراهية الديني المقزز الذي ما انفك يتصاعد ويستفحل تحت بصر وسمع النظام وفي حضور رئيسه ومباركته.كنا في الصغر نقرأ كثيراً، وأكثر ما نقرأ لكتاب مصر، وظننا أن ثلاثة أرباع الثقافة العربية في مصر، قرأنا لنجيب محفوظ ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد شوقي والعقاد وغيرهم الكثير، آمنا بطروحاتهم وتداولنا أفكارهم وضجت مكتباتنا بمؤلفاتهم، كانت بعيده كل البعد عن الطائفية والمذهبية والعنصرية.بعد مشاهدتي لهذه الحادثة المريعة، ظننت أن (مثقفي) مصر سيقيمون الدنيا ولا يقعدوها، سارعت لتصفح المواقع الالكترونية والصحف المصرية، فلم أجد نقداً أو إدانة أو شجب أو إشارة لتلك الحادثة من قبل أي (مثقفٍ) مصري، قبلها بأيام كنت اتابع موضوع اعتصام مجموعة من (المثقفين) المصريين أمام وزارة الثقافة المصرية، وحللته حينها لأحد الصحف العراقية أن هناك معركة بين (المثقفين) المصريين وهي معركة تحرير العقول من نظام يسعى إلى شق الصف، وكم كنت مخطئاً.لم أجد من يدين تلك الحادثه البربرية، أين السيد يس، أين فهمي هويدي، أين نوال السعداوي، أين هيكل، أين جمال الغيطاني، أين كل هؤلاء وغيرهم ممن يدعون العروبة ويتشدقون بالتنظير اليها، أين العقل المصري هل أمسى في مهب الريح بين ليلة وضحاها، كم كان هؤلاء يكذبون على العقل العربي بنظرياتهم وأفكارهم، هل آن الاوان لسقوط الاقنعة عن تلك الوجوه التي ظلت ردحاً من الزمن تسوق الكذبة بعد الاخرى لتوهمنا بأنهم أصحاب حضاره، أين الحضارة المصرية، هل طُمست تحت وحل الهزيمة التي ساقها اليهم الاخوان (المسلمين) الذين ما أن وطئوا السلطة حتى أصبحوا يظاهون أمراء قطر والسعودية بخدمة اميركا واسرائيل، أين (مثقفي) مصر من كل هذا؟لقد سقطت الاقنعة عن كل تلك الوجوه، اسقطتها دماء الشيخ حسن شحاته ورفاقه، الذين ذهبوا ضحية خطاب رأس هرم السلطة (محمد مرسي) عندما وصف الشيعة بالرافضة، ومن ثم توالت ألسن النار من شيوخ الاخوان في كل مسجد من مساجد أرض الكنانه لتعلنها حرباً ليس على من احتل مقدساتنا ولا على من دنس المسجد الاقصى، بل على أبناء جلدتهم، لقد ارضيت اميركا واسرائيل يامرسي، ولكن لتعلم أنك ورقة من أوراقهم، وهذه الورقة في طريقها الى سلة النفايات قريباً...أقرب مما تتصور.
https://telegram.me/buratha