عبد الأمير الصالحي
كنت قد حضرت احتفالية مولد الامام المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه الشريف ) والتي أقامتها احدى المؤسسات الإسلامية في محافظة الديوانية بالعراق حوالي ( 180 كم ) جنوب بغداد قبل حوالي ثلاثة اعوام ، وفوجئت ان احد الحاضرين أستاذ جامعي مصري كان قد اعتنق المذهب الشيعي مؤخرا ، وكان الرجل متلهفا بحضوره الاحتفال وهو يدعو ويقول للمتجمهرين حوله لسماع تجربته الجديدة في اعتناق المذهب الحق ( ان مصر مهيأة الأرضية للاستبصار واعتناق المذهب الحق ) يقول ذلك وهو يدعو المثقفين والخطباء لزيارة ارض الكنانة.لم تكن كلمات الاستاذ المصري مجرد حديث في حفل جمع اناسا للتعارف ، بل هو واقع أفرزته المرحلة والحراك الفكري الدائر اليوم في مصر وغيرها من البلدان في الشرق والغرب الإسلامي والتي أخذت دائرة اتساعه في التعرف على افكار المذهب الشيعي وعقائده ومتبنياته حيث الجدة والاجتهاد والفكر الوقاد الذي ينبض تحضرا ومنهجا قويما ، بعد ان ملّووا الجمود والركود والتناقض الذي أنتجته الفرق والمذاهب الأخرى على الساحة الإسلامية والتي أوصلت الشاب المسلم الى التفكير حتى بغير الإسلام دينا والعقيدة الإسلامية كأطروحة قادرة على إخراجه مما فيه من اختلال وازدواج فكري وفراغ عقائدي ، ولاسيما بعد ان راى المسلم يقتل اخيه المسلم ويعلن الحرابة عليه بتهمه ( الكفر البواح ) طبقا لفتاوى من انصاف ليس لهم من العلم الا طول اللحى ولقلقة اللسان ولاسيما ( فقهاء النفط ) الذين ذاق ويذوق الإسلام منهم الويل والثبور ذلك التيار السلفي الذي يسوق شباب الامة اليوم الى محرقة هنا وفتنة هناك حتى باتت الحكومات التي يستضلون في ظلها او من تمثلهم - خصوصا حكومات مايسمى بالربيع العربي - باتت تلك الحكومات لم تتح الفرصة لاي تيار معارض او رأي مخالف الا واتهمته بالمروق والزندقة والكفر لتنال منه السيوف كما يقول الكاتب صالح الورداني في ( أزمة الحركة الإسلامية ).وكان لأتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) حصة الاسد من تلك ( الغزوات ) بفعل السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وقطع للرؤؤس وتمثيل بالجثث وسحل بالشوارع بفضل وعاظ السلاطين وفقهاء النفط ، ناهيك عما يتعرض له من هجمات اخرى كتشويه للعقائد والحروب النفسية المتعددة التي تقودها وسائل إعلامية تسوق بضاعتها لاستمرار جنيها من الدولار.على ان المسلّم به اليوم لدى العديد من المفكرين والعلماء والمثقفين والشباب الواعي ان ما تقوم به الآلة الدعوية الوهابية التكفيرية بحق أتباع اهل البيت ومحبيهم يعد دعاية مجانية ساهمت بشكل كبير في انتشار التشيع والاطلاع على تراثه الذي اريد له ان يحجب عن الامة فكان ان تفجر ينبوعا توزع في روافد ، فما دام ( الانسان حريص على ما مُنع) ، نجد ان مما ساهم في انتشار الفكر الشيعي في البلدان ولاسيما المغرب العربي وشمال افريقيا - حيث تقول الاحصائيات ، ويشهد الاعداء بذلك - نفس الالة والمنبر الذي يقذف ويذم الشيعة والتشيع ويتهمهم بالكفر والشرك ، الامر الذي جعل المنصف ليبحث عن سر هذه الاتهامات وأساسها لمذهب تعداده ملايين من البشر منتشر على ارض المعمورة ، فاذا به يجد فكرا متكاملا من جميع نواحي المعرفة بل فكرا يحترم الآخر وحريته مهما كان اختلافه وتقاطعه - وهو ما يريده المسلم اليوم - قدوته في ذلك القران والسنة التي حملها اهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) ، لا سنة بني أمية الاقصائية العدائية ، كما يجد - الباحث المنصف - ان جميع ما يوصمون به الشيعة والتشيع هو على النقيض بل ان أعداء الشيعة هم أعداء الدين والإسلام على وجه الخصوص وبهم تلصق المعايب لا بالاخرين ، وسيجد الباحث المنصف عندها ان من يطلقون عليهم الصليبين والصهاينة لا يجدوا عناءا بعد اليوم في محاربة الاسلام من خلال السلاح الفتاك والخطط العسكرية التي كانت قد غزت البلاد الإسلامية في القرون السالفة ، بل يكفي ان يظهر في بلاد المسلمين رجل متنسك يتمظهر بمظهر الاسلام ليخطب على الملأ مايحفظ من الآيات القرآنية وهو لايفقه من القران الا رسمه ومن الإسلام الا اسمه ليذيق الإسلام والمسلمين الموت الأحمر، وهم كما وصفهم الرسول الأكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) : " يمرُقون من الدِّينِ كما يمرقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ ".ان ما مرّ على الشيخ العلامة حسن شحاته في يوم شهادته ( رحمه الله وأعلى مقامه ) سيكون له زكاة ورفعة وسيذق أعداءه ومن استأنس للحادثة البشعة والأليمة ورضي بها مرارة ما جنت أيدهم وسولت لهم أنفسهم ، وسيعلمون اليوم وغدا من الكذاب الاشر ، وان الله ليس بظلام للعببيد .فالحادث فاجع ووقعه اليم الا اننا لا نقول الا ما يرضي الله تعالى الذي هو كفيل بنصرة المظلوم ودحر الظالم المعتدي.على ان التهجم على كبير الشيعة في مصر بهذه الطريقة التي لم نسمع ان قام بها كافر، ما هي الا رسالة خطها السلف الطالح من بني امية مفادها التضييق على الشيعة كما ضيق على ال هاشم رهط النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) في شعب ابي طالب ولكن يأبى الله ذلك ورسوله ، فالفكر والمنهج لايمكن ان يقطع بسيف او يكسر بعصي ، هكذا هي الايام دوالي والجروح قصاص والدرس العلمي الذي قطع بسيف الشهادة لحريُّ ان يدوم ويستمر والمنبر الذي احرق بنار وحطب الدار من الحق ان يعلوا ويلتف حوله ، وتلك مشيئة اللاهية ربانية وحقيقة ثابته في قلوب ووجدان المسلمين .فالمغدور الذي عاش بين جهّال ممن أنار الله قلبه وبصيرته بالحق منذ عقدين من الزمن لم تمنعه المغريات التي يتمتع بها وعاظ سلاطين عصره وطائفته ، وكان (رحمه الله ) ممن نال المكانة بين أقرانه الأزهريين ، فصدح عاليا بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم حاملا روحه بين يديه رغم تعرضه للرفض من مجتمعه - الا من هدى الله - وتعرض للاعتقال وزج بسجون اللامبارك ، فكان مصداقا للخُلص من الشيعة في عصر الغيبة الكبرى ، يقول الامام الصادق (عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى ( ثم اهتدى ) من قوله عز من قائل ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) قال ( عليه السلام ) : لولايتنا أهل البيت.إذا فهو شيعي والشيعي لا يرضى الا بالرفعة والسمو وهل هناك أسمى وارفع من الشهادة في حب علي ، فسلام عليك يوم ولدت ويوم حملت راية التشيع في ارض مصر ويوم غدر بك الضُّلاّل ورجعت إلى ربك شهيدا مظلوما محتفلا بالموعود المنتظر ( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين ).
https://telegram.me/buratha