جاسم المعموري
ان اهانة الانبياء والرسل عليهم السلام هي اعتداء صارخ على الله تعالى وعلى الانسانية باجمعها .. وان التعامل مع الاقلية المسيحية في مصر ( الاسكندرية ) يوم امس ,هو تعامل فض وهمجي يدل - وبشكل واضح - على تدني الايمان لدى المسلمين , لان الذي يعتدي باي شكل من اشكال الاهانة على نبي الرحمة والمحبة والسلام محمد صلى الله عليه واله , هو يعتدي على عيسى عليه الصلاة والسلام , وذلك لان رسالتهما واحدة وغايتهما واحدة ومرسلهما واحد تبارك وتعالى .. لا شك ان هناك اياد خبيثة تريد- دائما- الوقيعة والخلاف بين ابناء الوطن , كما يحدث في العراق الان , واعتقد ان للمشكلة جذورها التي يجب ان تجتث من مجتمعاتنا العربية والاسلامية , لكي نعيش بامن وسلام تحت راية الوطن .. ويقينا ان ما يجري في منطقتنا والعالم من اضطرابات امنية وانتهاكات لحقوق الانسان , تلعب القوى السياسية فيه دورا هاما , ولكن ايضا على الصعيد الديني نرى ان هناك تصعيدا طائفيا مريضا وخبيثا تعمل من اجل اتقاد جمرته جهات متخلفة لاتؤمن بالسلام ولا بالدين ايا كان مصدره , وتلعب الحركة الوهابية ادوارا خطيرة على المستوى العالمي تثير من خلالها النزعات والنزاعات الطائفية - مستفيدة من مساحة الحرية المتاحة لها في البلدان الغربية , وتنشط في البلاد العربية والاسلامية بسبب حاجة الحكومات الديكتاتورية لها, لتكون يدها الضاربة , وتكون سببا لضرب الحركات الاسلامية التي تنهج السبل السلمية في تعاملها مع القضايا السياسية , فكان نظام صدام حسين قد عمل وبشكل دؤوب على استقطاب الحركات المتطرفة , ومنها الوهابية لتعشعش في العراق وفي الزوايا المظلمة, و لتكون لها قواعدها الاساسية في البلاد , وذلك كما اسلفنا لضرب التيارات الاخرى , والعمل على تدمير البلاد والعباد في حالة خسران حكومة صدام لموقعها في السلطة ,الذي كانت تتوقعه قبل الغزو الامريكي , كما كان النظام قد شجع واستقطب بعض المنظمات الارهابية لتستقر في العراق , وتساهم في قمع ابناءه , وحفر المقابر الجماعية فيه, ومنها على سبيل المثال بعض المنظمات الفلسطينية , ومنظمة مجاهدي خلق الايرانية الارهابية , اما في مصر فان الحركة الوهابية قد عشعشت وفرخت , واصبح لها رؤوسها اليانعة من المصريين , حتى طغت على الكثير من مؤسسات الدولة الرسمية والمدنية , وكان احد اهم ضحاياها هو الازهر الشريف لما كان يمثله من خط معتدل ومتوازن طيلة القرون الماضية , فتغلغلت فيه بسبب نفوذها المالي وطرقها الخبيثة , ليصبح الازهر منارة للظلم والظلام بعد ان كان منارة للعدل والنور , فاخذ يحارب الفكر النير ويصادر الكتب التي تدعو الى الحق والخير , بل حتى بعض الطروحات الادبية والعلوم الانسانية , بل واصبح من الممنوعات التطرق الى التاريخ والدراسات التاريخية الموضوعية والنزيهة وكان اخرها مصادرة كتاب (التحكيم) لمؤلفه الدكتور احمد راسم النفيس وسحب جميع نسخه من الاسواق في مصر وهو كتاب يتعرض لحقبة من تاريخ الاسلام بشكل تحليلي وعلمي محض .. ان المتتبع للحركة الوهابية في العالم يرى بوضوح انها حركة ارهابية تبنت الارهاب وعملت من اجله منذ تأسيسها وروجت له ودعمته بالمال والرجال والفكر والسلاح , حتى اصبحت بحق الاب الروحي والرئيسي للارهاب في العالم , وان الالتفات لهذه الحركة , ومحاصرتها , وتحليل مواقفها وفكرها وكشف قواعدها , وثقيف الجماهير حول خطورة امرها وتصنيفها- وبشكل رسمي - على انها الاب الروحي الرئيسي للارهاب سيساهم وبشكل فعال في القضاء على الارهاب والتطرف في العالم اجمع , كما ان على الاديان والمذاهب الاخرى والمنظمات العالمية والاحزاب لاسيما الاسلامية منها ان تساهم على وجه السرعة في اعتراض وتفنيد الفكر المتخلف والقبيح لهذه الحركة , ذلك الفكر الذي يحاول ان يصادر الفكر الاسلامي الصحيح وان يصادر الحريات والكرامات وينادي الى القتل وسفك دماء الاخرين حتى لقد جعل من الاسلام ان يعود غريبا كما كان في بدء الدعوة المحمدية المباركة السلمية الانسانية التي جاءت من اجل الحفاظ على حرية وكرامة الانسان وناضلت من اجلها .. وكان من اهم عوامل انتشار الوهابية في مصر هو تواجد اعداد غفيرة من المصريين العاملين في المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الاخرى , فقامت الحركة الوهابية في تجنيد البعض منهم واعادتهم الى مصركمافعل نظام صدام من قبل وقام بتجنيد بعضهم لصالح المخابرات العراقية , واذا لم يلتفت المصريون لما يجري وراء الكواليس في ارض الكنانة , فان مصر ستصبح عراقا ثانيا , بسبب نفس المقدمات التي تعرض لها العراق خلال السنوات الخمسة عشر الماضية , ولقد كانت الحركة الوهابية تقف وراء الكثير من الهزات التي تعرض لها الشرق الاوسط في الحقبة الماضية , فبعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 قامت هذه الحركة بحرب لا هوادة فيها ضد هذه الثورة الفتية فساهمت في اقناع الراي العام العربي والاسلامي على ضرورة محاربتها فقادت وبشكل خفي تلك الحرب الخبيثة ومارست الغضوط على القيادة السعودية لتقوم بدورها بتجنيد نظام صدام لشن الحرب على ايران الاسلام فكانت اكبر كارثة يتعرض لها المسلمون في تاريخهم حتى ذهب ضحايا لهذه الحرب اكثر من مليوني قتيل بين البلدين المسلمين الجارين , ومئات المليارات من اموال الامة الاسلامية ناهيك عن تدمير الروح الاخوية بين المسلمين بسبب تلك الحرب اللعينة , ثم قامت هذه الحركة بدعم واسناد المتطرفين الافغان وارسلت اليهم اسامة بن لادن ليكون وسيطها هناك وقائد عملياتها الاستخباراتية والعسكرية والماليه فنتج عن ذلك نظام في غاية التخلف والتطرف هو الصورة الحقيقية لتلك الحركة المقيتة فاخذ يمارس القتل والارهاب ويقوم بعمليات التطهير الطائفي ضد المسلمين الشيعة في افغانستان , فقتل عشرت الالاف منهم على مرأى ومسمع من المسلمين جميعا , وكان لانتشار الحركة الوهابية في باكستان اثر بالغ على تنامي الارهاب فيها واصبحت حصيلة التفجيرات في مدينة واحدة يقطنها الشيعة هناك وهي مدينة ( كويتا ) اكثر من خمسين انفجار راح ضحيته الكثير من المؤمنين وهم يؤدون الصلاة في المساجد والجوامع , وكان لاحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة نتائج وخيمة على الامة الاسلامية باجمعها , كان اهمها تواجد قوات الغزو في الشرق الاوسط والدعوة الى تغيير توازن القوى فيها وتدمير بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية .. اننا اليوم امام واقع مؤلم وخطير للغاية يتطلب منا ان نفعل كل ما من شأنه ان يعيد ملة ابراهيم الى اصلها الصحيح القائم على الحجة المنطقية والعقل والحوار حتى لو ادى ذلك لوضعنا في نار الجهلة من ابناء الامة السفهاء , واعتقد - مؤمنا بما اقول - ان المرحلة القريبة القادمة ستشهد نوعا جديدا من الصراع يقوم على وجوب الجهاد ضد حركات التطرف في العالم الاسلامي , وذلك بعد ان يعي المسلمون حقيقة واقعهم المخزي والمؤلم , ذلك الواقع الذي فرضته على الاسلام قوى الارهاب والتطرف بقيادة الحركة الوهابية البغيضة .
https://telegram.me/buratha