حسن الهاشمي
قال تعالى: إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ - فاطر - الآية - 29، ما أحوجنا ونحن نعيش محطات الرحمة والرأفة الإلهية رجب الأصب وشعبان الخير ورمضان المبارك، أن نتزود بالتقوى ومخافة الله تعالى في التزام أوامره وترك نواهيه، وأن نتحلى بقدر واف من الأخلاق الإسلامية التي تضمن الحقوق والواجبات للجميع دونما إفراط أو تفريط، وإنما تقوم على أساس التقوى والمحبة والخير بعيدا عن تداعيات العصيان التي لو عصفت تأتي رياحها الهوجاء على الأخضر واليابس على حد سواء.العلاقة الوطيدة بين الإنسان وربه هي التي تأخذ بأيدينا إلى سبل النجاح والتوفيق، حيث إن الدنيا فانية ولا يبقى منها سوى الخير والصلاح والفضائل، أما الإثم والعدوان والمفاسد فإن مصيرها الهلاك والعدم لا محالة وإن بقيت دهرا من الأيام بين ظهرانينا فهو بما كسبت أيدينا، وسرعانما يؤول الأمر إلى نصابه الصحيح إنما يرث الأرض ومن عليها عباد الله الصالحين والمخلصين.والإنسان يحشر يوم القيامة مع من يحب، فإن أحب الله ورسوله وأولياءه يحشر معهم وإن أحب أعداءهم يحشر معهم ومن أحب حجرا يحشر معه والإمام عليّ عليه السّلام يقول: مَن أحَبَّ شَيئاً لَهِجَ بِذِكرِهِ، وهذا ما يذكرني بقصة معبرة وهي إن امرأة جميلة قررت يوما الذهاب إلى الحمام ولكنها ضيعت الطريق، وبعد جهد جهيد رأت رجلا واقفا أمام داره، سألته هل تدلني على حمام منجاب؟! أشار الرجل إلى بيته والمرأة صدقت قوله وعندما دخلت الدار دخل الرجل وراءها وأغلق الباب، هنا المرأة تيقنت بأنها أصبحت أسيرة بيد هذا الصياد الفاجر، وإنها وبدون أن تظهر حالة الإنزجار، قالت له أشم رائحة الكباب من السوق التي بقرب داركم إذهب واحضر لنا الطعام اللذيد لتكتمل سهرتنا، والرجل صدق كلامها وانطلق خارج البيت ليحضر الطعام، فاستغلت الحالة وخرجت من البيت فورا، وعندما عاد إلى البيت لم يجد لها أثرا، حينئذ عرف إنها حيلة للتخلص من مصيدته، يقال إن ذلك الرجل بقي طيلة حياته يتذكر تلك المرأة وبقي نادما بأنه لم يحصل على وطره منها، حتى إذا دنت منه المنية، وكلما ألقنوه بالشهادتين، كان لسانه يلهج بهذا البيت من الشعر:يا رب قائلة يوما وقد تعبت*** أين الطريق إلى حمام منجابوهو بقي طيلة حياته يتأسف على ذلك اليوم الذي لم يفعل معها الفعل الحرام!! نعم إن الإنسان يعيش مع همه ومع تفكيره ومع ما يحب ويهوى، ربما يكون مصيره مصير ذلك المسكين الذي بقي أسير شهوته الفارغة، ويا لها من عاقبة وخيمة، قد يقع بها بعض المغفلين.وللتخلص من هذه الأمراض وغيرها إن أشهر الخير تدعونا للاستزادة بتلاوة الكتاب والعمل به لأنه كتاب هداية وعبرة ونجاة، من عمل به نجى وساقه إلى الجنة والرضوان ومن تركه هوى بحضيض الدنيا وخزي وعذاب الآخرة، وكذلك إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وتهذب سلوك الفرد مع ربه ومع العباد بأحسن صورة، فيكون المصلي الطائع لربه منساق لاحترام حقوق الآخرين مثلما هو منساق لتبني أحكام الإسلام، التي تصيّر من الإنسان كتلة ملتهبة من المناقبيات المنجية من مرديات الهوى والنفس الآبقة والشياطين الماردة. وتتجلى عظمة الإنسان المؤمن بالإنفاق بشقيه الواجب والمندوب، لما يحمل في مضمونه من موجبات التكافل والتراحم والتوادد بين الغني والفقير، حيث إن الإنسان بطبعه المادي ميال نحو الماديات، والذي يقتحم ذلك الميدان بالإنفاق والتبديد بحاجة إلى قوة إيمانية غيبية تساعده على التخلي عن طبعه وإزاء ما يميل ويحب، تراه ينفق المال تارة بالسر لحفظ كرامة السائل وأخرى بالعلن لحث الآخرين على الإنفاق والبذل في سبيل الله، هذه بالحقيقة هي التجارة الخالدة التي لن ولم تزول وهي باقية يقطف االمؤمن ثمارها ليس في الحياة الدنيا بالخير والبركة فحسب بل بجنة عرضها السماوات والأرض أعدها الله تعالى للمتقين وحسن أولئك رفيقا، وهذا هو الفرق بين الطريق إلى الله تعالى حيث الفوز والخلود والطريق إلى منجاب حيث الحسرة والندامة!!!.
https://telegram.me/buratha