حسن الهاشمي
أيهما تنتخب التقوى أم الجحود والسقوط والانتكاس؟! التقوى هي حفظ النفس عند حدود الله تعالى وكف النفس عما حرم الله من فتن الدنيا ومغرياتها، وهو معنى المقاومة النفسية، والعوامل التي تحفظ الإنسان عند حدود الله، وتكفّه عن تجاوز الحدود: المراقبة والذكر.المراقبة حتى يعرف الإنسان مواضع قدمه وحركته، فلا يسقط في ما حرم الله، ولا يستغفله الشيطان إلى تجاور حدود الله، والذكر يمنح الإنسان العزم والقوة التي يحتاجها عند مغريات الحياة الدنيا، وإن مقاومة الهوى، وكف النفس عن الشهوات لا يتيسر للإنسان إلا بمخافة الله.الذكر الذي يمنح الإنسان قوة على المقاومة وضبط النفس وهو استحضار ومخافة وطاعة الله جل شأنه ومراقبته للإنسان في كل مكان وزمان، فإذا استحضر الإنسان الحضور الإلهي بهذا اللحاظ تحققت عنده شرائط التقوى.قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عشرون خصلة في المؤمن، من لم تكن فيه لم يكمل إيمانه، إن من أخلاق المؤمن: الحاضرون إلى الصلاة، والسارعون إلى الزكاة، والمطعمون المساكين، والماسحون على رأس اليتيم، والمطهرون أظفارهم، والمتزرون على أوساطهم، الذين إن حدثوا لم يكذبوا، وإن وعدوا لم يخلفوا، وإن ائتمنوا لم يخونوا، وإن تكلموا صدقوا، رهبان بالليل، أسد بالنهار، صائمون النهار، وقائمون الليل، لا يؤذون جارا، ولا يتأذى بهم جار، الذين مشيهم على الأرض هونا، وخطاهم إلى المساجد، وإلى بيوت الأرامل، وعلى أثر المقابر... وثمرات التقوى كثيرة، وكلها طيبة مباركة، يقول تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، منها الحصانة، فالتقوى حصن يحمي الإنسان من مثلث الابتلاء الرهيب: الهوى (من داخل النفس) والفتن (من خارج النفس)، والشيطان (الذي يسعى بين الأهواء والفتن يزين الفتن للأهواء، ويثير الأهواء تجاه الفتن) وهو أخطر مثلث يواجهه الإنسان، وعند هذا المثلث يسقط ناس كثير من خلق الله، فإذا تحصن الإنسان بحصن التقوى حفظته التقوى من السقوط في الذنوب والمعاصي.يقول علي (عليه السلام)، وهو إمام المتقين، وأخبر الناس بالتقوى: (التقوى حصن المؤمن)، وفي مقابل ذلك الفاجر يعيش في دار حصن ذليل، والحصن الذليل في مقابل الحصن المنيع، يسهل على العدو أن يتسلقه وينفذ إليه، ويقتحم فيه، من غير جهد.وهذا هو الفرق بين التقوى والفجور، التقوى تمنح الإنسان الحصانة والمناعة والعيش الرغيد، وأما الفاجر فهو مكشوف للشيطان بالكامل، يسهل عليه أن ينفذ إلى قلبه وعقله وعواطفه وإحساسه، فيقرب له البعيد ويبعد عنه القريب، ويطيل أمله في دنياه القصيرة، ويبعد له الآخرة القريبة، ويزين له المتاع الزائل من متاع الدنيا، ويزهّده في متاع الآخرة الباقي.فالمسؤول في الدولة الديمقراطية الفتية في عراق ما بعد سقوط الصنم التي ما زالت فيه مؤسسات الدولة ضعيفة، ذلك المسؤول إذا كان متقيا فعنده حصانة ذاتية من عدم التطاول على المال العام وإسداءه المعروف للناس في أي موقع كان، أما إذا كان فاجرا فاسقا فإن حائط الحصانة عنده قصير يعبر من خلاله الشيطان وهوى النفس ومفاتن الدنيا الدنية فتوقعه في شراكها فيغير على بيت المال ويقتحم المحرمات والانتهاكات من أوسع أبوابها حيث لا رادع دنيوي لضعف المؤسسات الحكومية أو لدفاع كتلته عن خروقاته ذلك الدفاع المستميت، ويظن إنه يحسن صنعا لمصالحه الشخصية أو الحزبية أو الطائفية ونسي أو تناسى إن الدنيا زائلة ولا تدوم لأحد، وإن ما اكتنزه من باطل سيكوى به جبهته! نرى ذلك قريبا ويراه بعيدا، والعاقبة للمتقين دائما وأبدا.
https://telegram.me/buratha