ســـــــــــــعد الزيدي
عندما استُعرضت أمامي تضحية الشهيد حسن شحاتة رحمه الله تعجبتُ من هذا السمو في عالم التضحية المتفردة في الساحة المصرية ،فقادني التعجب الى استحضار حقيقتين الاولى التلازم بين الايمان والتضحية ،نحن لا نختلف حتى مع المخالف اذا قلنا ما من شك بوجود التناسب الطردي بين الإيمان بقضية والتضحية من اجلها وما من شك أيضا أن الإيمان والتضحية لا يقفان عند حد حتى يقاس بهما العطاء الإنساني، فما قاله شاعرُنا (والجود بالنفس أقصى غاية الجودي ) كان متأثر بمحيطه فنظر الى الكم ولم يرقى الى النوع في العطاء كما سيتضح من خلال البحث0 إلا أن محل التسائل ومحل الاختلاف في نوع عوامل تكوين الإيمان وتتبعه التضحية بحيث يدفع بها نحو التعاظم حتى تتجاوز غريزة الانسان الطبيعية بدرء الخطر عن نفسه فيلقي بها في مهاوي الردى بل أكثر من ذلك فهو يمضي في اعداها حتى إذا حان وقت إلقائها لم يتردد بذلك ويلقيها ببطولة نابعة من تصميم وسبق اصرار وتفكير عميق حتى تكون (فما حياةٌ تسرُ الصديق وأما مماتٍ يغيضُ العِدىّ) 0والحقيقة الثانية المدرسة الجهادية التي ينتمي اليها الشهيد حسن شحاتة فلما وجدتها المدرسة الحسينية زال العجب على قاعدة (إذا عُرف السبب بطل العجب) فهي مدرسة لها خصائص ربانية حيث تتمتع بعناصر من القوة الإيمانية اليقينية وتشكل حضور دائم في ضمير إتباعها مما يجعل استعدادهم للتضحية لا تردد فيه ولا تكلف ،أذن لا عجب إذا كان في مناهج هذه المدرسة تتلمذ وتخرج الشهيد حسن شحاتة 0
هذه المدرسة الحسينية الكربلائية فيها من البطولات التي خلدها الزمن لا تزال تلوكها اللسان في واقعة ألطف وغيرها ،صنعها أنصار الإمام الحسين عليه السلام تُعد القمم في مضامين التضحية والصبر على التضحية 0
ولأجل الاستدلال العملي على بعض مئاثر هذه المدرسة ،أرجو أن تسمح لي أيها الشهيد السعيد أن أذكر أبناء مصر والذكرى تنفع المؤمنين بواحدة من صناع البطولات في مدرسة الحسين وبحادثة واحدة من بطولاتها واستحضر لذلك السيدة أم البنين في واحدة من بطولاتها كرمز لشخصيات مدرسة الحسين ، فموقف لفاطمة الكلابية المكنات أم البنين يضعك للوهلة الأولى في اضطراب عقلي وعدم استيعاب إلا بعد تحليل لمفرداته والتعايش مع ظروف الحدث0
هذه السيدة البطلة أم العباس أبن أمير المؤمنين سلام الله عليه وأخوته الثلاثة لأمهِ وأبيه ،كانت تضحيتها متفردة في جوانب (قلة من العظماء من يتفطن لها) أملتها عليها المتغيرات السريعة التي صاحبت ظرف أحداث واقعة طف كربلاء ولو لم تكن هذه السيدة قد تدربت على تحمل المسؤولية في أحنك الظروف لما ظهر منها هذا الابداع في ساعات الشدة ،فهي مذ دخولها بيت امير المؤمنين عليه السلام عاشت العشق الالهي (الجو الذي يتخلى فيه الإنسان المؤمن عن ذاته) لذا فهي انصهرت في بودقة العشق اللاهي في بيت من بيوت الله وأذابت كل ما يمكن أن يكون مصدره التراب في شخصية الانسان فكانت نفخة الروح الربانية هي التي تسير التراكيب المادية في شخصيتها باتجاه الهدف إلا هو القرب اللاهي0
وهنا يعجز القلم والفصاحة والإحاطة التحليلية أكثر من عجز التاريخ نفسه ولا أقول تقصير التاريخ من الإلمام بالتمارين التي استطاعت بها هذه الشخصية إيجاد مفردات للتضحية في النهضة الحسينية تعبر عن أفضل وأدق صيغة لاستثمار الزمن و الطاقات بنسبة ضياع0% صفر بالمئة وهنا أقف منحيا أمام حادثة واحدة وأشير الى مفردة واحدة فقط كما أسلفت 0يذكر مؤرخي ألطف أن أم البنين خرجت من دارها في يثرب صلوات الله وملائكته على من نورها فأصبحت المدينة المنورة خرجت على صوت بشر بن حلذم وهو ينعى الحسين وعلى عاتقها طفل صغير ، أكد المحققون أن الطفل هو الابن الأصغر للعباس وأسمه عبيد الله وأن بقاء أم البنين في المدينة المنورة أي لم تلحق بركب الحسين الى كربلاء كان قرار وليست مصادفة وقرار من حكيم ينظر بعين الله (عبدي طعني تكن مثلي ) وكان هذا القرار بعد مقارنة بين دورين وخيارين كلاهما غاية في الصعوبة والتحمل ولكن في أحداهما تتنوع وتزداد التضحية ويستمر تأثيرها وقد تلبست به هذه اللبوة المناضلة كي يتفرغ العباس وأخوته تماما لشؤون المعركة ولا يكون لديهم حرج في عملية تقديم الأولى اي تفضيل حقوق الوالدة على جانب من مستحقات المعركة أو ما هو اشد حرمة عند الترك لو تعارضت الواجبات وتقاطعت الاستحقاقات يضاف الى ذلك رعاية الطفل الوليد حتى يكون السبب الطبيعي لاستمرار نسل أبى الفضل العباس نسل البطولات ، وبهذا الاختيار فقد وضعت بعض المهام الثقال عن كاهل أولادها لتضعهم أمام مسؤوليات هي الاثقل حيث صيانة الدين من خلال قيادة المعركة مع قلة الناصر وخذلان الأمة ،هذه مسؤوليات فيها تشعب وتستغرق كل الوقت والجهد خصوصا عندما يكون العباس وحتى أخوته على درجة من حقائق الإيمان تقارب العصمة 0
أن استحقاقات الواجبات التي انيطت بهذه السيدة من مهام النهضة الحسينية حقا تهد الجبال الرواسي ، ولولا تمارين الإعداد التي هيئاها لها علي بن أبي طالب لهذه المهام الجسام وساعدته هي على تلقيها وهضمها واستيعابها منذ البدء لما أدركتها العناية الإلهية في التوفيق لاستكمال هذه المهام على أحسن ما يتوق الإنسان اليه 0
وهنا ندرك الكثير من عوامل بناء الشخصية الإنسانية التي كان محيط بها عقيل بن أبي طالب وقبله بشكل أكثر شمولية أمير المؤمنين عليه السلام فكان عقيل موفق جدا في اختياره بيت حزام الكلابي ليخطب من (ولدتها الفحول من العرب ) ابنته فاطمة الكلابية زوجة لشخصية مثل علي بن أبي طالب يحمل مسؤولية تحقيق الرسالة وهو حياً في دار الدنيا أو وهو في حياة البرزخ يريد أن تتحقق على يديها الأسباب الطبيعية لتجسيد الشخصية التي رسمها في مخيلته التي يدخرها لواقعة كربلاء فتكون نشأت العباس وإخوته واحدة من المساهمات البطولية لإم البنين وأن تكون كل حياتها عطاء في استمرار شعلة النهضة الحسينية 0
https://telegram.me/buratha