بقلم/عنان السريح
ترجع العقائد الوهّابيّة إلى ما أبتدعه أحمد بن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ، وقام محمّد بن عبد الوهّاب بتجديد العهد بها.أهمُّ عقائدهميرى الوهّابيّون أنّ جميع المسلمين - غيرهم - قد فسّروا التوحيد تفسيراً خاطئاً، وفهموه فهماً لا ينطبق على الواقع، ولا يُخرجه عن حقيقة الشرك، وعملوا بما فهموا.. إذن، جميع المسلمين مشركون، من حيث لا يريدون ولا يشعرون. "فالإنسان عندهم لا يصير موحّداً بمجرّد أن يشهد ويعتقد ب "لا إله إلّا الله محمّد رسول الله" وبأنّ الله هو الخالق الرازق وحده، لا شريك له، وأنّه لا يرزق إلّا هو، ولا يدبّر الأمر إلّا هو.
وكما لا تنفع كلمة الشهادة كذلك لا تنفع كثرة العبادة، ولا الإيمان بأنّ محمّداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولا قول الإنسان: أنا مذنب، والأنبياء لهم جاه عند الله، وأتوسّل بهم إليه تعالى، كي يعفو ويصفح" كلّ ذلك، وغير ذلك لا يجعل الإنسان موحّداً ولا مسلماً إلّا أن يترك أموراً معيّنة ومنها:
1 - التوسُّلإنّ التوسُّل بالأنبياء والأولياء عليهم السلام في حال حياتهم أو بعد وفاتهم من الأمور الرائجة بين الموحِّدين في جميع أزمنتهم، إلّا أنّ الوهّابيّة إعتبرت التوسّل من مظاهر الشرك، وعلى الإنسان المؤمن "أن لا يتوسّل إلى الله بأحد أنبيائه وأوليائه، فإن فعل، وقال - مثلاً: يا الله أتوسّل إليك بنبيّك محمّد أن ترحمني فقد سلك مسلك المشركين، وأعتقدَ ما أعتقدوا"
2 - زيارة القبورإتّفق المسلمون على إستحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربويّة وتذكيريّة ذكرها النبيّ صلى الله عليه واله وسلم في حديثه المعروف حيث قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تُزهِّد في الدنيا وتُذكِّر الآخرة" وقد إتّفق المسلمون أيضاً على إستحباب زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه واله وسلم خصوصاً، وأفضل دليل على ذلك سيرة المسلمين منذ وفاة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ، مضافاً إلى العديد من الروايات. منها ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم حيث قال: "من زار قبري كنت له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في إحدى الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة". وفي حديث آخر قال صلى الله عليه واله وسلم : "من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي . ومع هذا فقد رفضت الوهّابيّة مبدأ زيارة القبور حيث قالوا: " أن لا يقصد ـ الإنسان المسلم ـ قبر النبيّ للزيارة، ويشدّ إليه الرحال، وأن لا يتمسّح به، ولا يمسّه، ولا يدعو الله ويُصلّي لله عنده، ولا يُقيم عليه بناءً ولا مسجداً، ولا ينذر له" محتجّين بأنَّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم بعد موته لا يضرّ ولا ينفع، فيجب على الإنسان أن يقصد الله وحده ويطلب منه دون سواه، متجاهلين في ذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ المائدة35 .3 - الشفاعةاتّفق المسلمون عامّة على شفاعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وإن اختلفوا في معنى الشفاعة بين كونها سبباً لغفران الذنوب كما عليه الأشاعرة والإماميّة وأهل الحديث، أو لترفيع الدرجة كما عليه المعتزلة. إنّما الكلام في طلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته ومماته، فالمسلمون إلى عهد ابن تيميّة اتّفقوا على جوازه حيّاً وميّتاً، وهو من فروع طلب الدعاء من المشفوع له، إلى أن جاء ابن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ ورفع راية الخلاف بين المسلمين، وقال: " أن لا يطلب ـ الإنسان المسلم ـ الشفاعة من النبيّ، لأنّ الله، وإن أعطاها لمحمّد صلى الله عليه واله وسلم وغيره من الأنبياء، ولكنّه نهى عن طلبها منهم ومن طلب الشفاعة من محمّد كان كمن طلبها من الأصنام سواء بسواء".والجواب عنه: أنّه لا يُتصوّر أن يكون طلب الدعاء من المؤمن أو الصالح أو الأنبياء عليهم السلام شركاً، سواء أكانوا أحياءً أمْ أمواتاً، أمّا الأحياء فقد صرَّح القرآن الكريم بجوازه، وأمر الظالمين بالمجيء إلى النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وطلب الإستغفار منه. قال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾ النساء64. وحكى عن ولد يعقوب أنَّهم قالوا لأبيهم ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) يوسف 97ـ98. إضافة إلى أنّ هناك روايات تُشير إلى جواز طلب الشفاعة، منها عن أنس أنّه قال: "سألت النبيّ أن يشفع لي يوم القيامة فقال: أنا فاعل. قُلت: فأين أطلبك؟ قال: على الصراط..." ولو كان طلب الشفاعة شركاً، لزجره عنه.4 - الإستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلمإعتقدت الوهّابيّة أنّ الإستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم شرك، ولا يجوز مناداته والإستعانة به بأيِّ حال من الأحوال، حيث قالوا: "أن لا يحلف بالنبيّ، ولا يُناديه، ولا ينعته بسيّدنا، كأن يقول: بحقّ محمّد، ويا محمّد، وسيّدنا محمّد، بل الحلف بالنبيّ وغيره من المخلوقات هو الشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار"، وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً" لأنّ الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، ولكنّ الشرك أي الحلف بغير الله أكبر من الكبائر. وذُكر أيضاً أنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان يقول عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم : "أنّه طارش (يعني الرسول في الحاجة)، وأنّ بعض أتباع هذا الشيخ كان يقول: عصاي هذه خير من محمّد، لأنّه يُنتفع بها في قتل الحيّة، ومحمّد قد مات، ولم يبقَ فيه نفع، وإنّما هو طارش ومضى ". هذا هو الكلام الّذي يهتزّ منه العرش وتتفطّر السماوات، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال منه.. وإذا كانت العصى خيراً من محمّد صلى الله عليه واله وسلم فلماذا يجب حبّه وطاعته، والإيمان به؟. ولماذا نُكرِّر الصلوات والتحيّات عليه في الصلوات الخمس، ويُقرن اسمه باسم الله على المآذن والمنابر، ويُحتجُّ بقوله في كلِّ علم وفن؟. وبالتالي أيُّ معنى لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾الأحزاب 56.وعليه فإنّ على الإنسان المسلم أن يلتزم بما ذُكر أعلاه التزاماً وثيقاً، وإلّا كان مشركاً منكراً للتوحيد. قال ابن تيميّة: "إنّ ترك هذه الأمور، وما إليها يتّصل اتّصالاً وثيقاً بمفهوم التوحيد، ومن فعلها فهو مشرك يحلّ دمه وماله وذراريه، سواء أفعلها عن علم بتحريمها، أو جهلاً واشتباهاً، لأنّ فعلها يُفضي إلى تكذيب الرسول، وإن لم يتعمّد الفاعل مُنكَراً . وليس من شكّ أنّهم عدّوا عدم زيارة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وطلب الشفاعة منه شرطاً في التوحيد، ولم يعدّوا قتل النفس المحترمة والزنى وإكتناز الذهب من منافيات التوحيد والإيمان.5 - في صفات اللهيجمد الوهّابيّون على ظاهر نصوص الكتاب والسنّة في صفات الله سبحانه، ولم يُجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلّت عليه الصورة الحرفيّة، بل يعتبرون التأويل كفراً، لأنّه كذب على الله والرسول، ويرون تنزيه الله بإثبات اليد له والرجل، والكفّ والأصابع، والنفس والوجه، والعين والسمع، والجلوس والوقوف، والضحك والتكلُّم، والوجود في السماء، وما إلى هذه من الصفات الّتي وصف الله بها نفسه، أو جاءت على لسان نبيّه من غير زيادة ولا نقصان.واستدلّوا على اليدين بقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )المائدة64وعلى العينين أو العيون: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ هود 37وعلى الجلوس: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾الأعراف 54وعلى الوجود في السماء: ﴿ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾الملك17وعلى الوجه: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ )البقرة155وعلى السمع والعين: ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾غافر20وعلى النظر إليه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)القيامة22ـ23وعلى السير والمجئ: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾الفجر22وعلى النفس ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك﴾ المائدة116وعلى الضحك بما رواه ابن تيميّة : "إنّ الله ضحك إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنّة.. وأيضاً قد ضحك حين دخل آخر رجل إلى الجنّة، فقال له الرجل: أتسخر بي، وأنت رب العالمين؟"
واستدلّوا على الرِّجل بما رواه ابن تيميّة أيضاً في الرسالة الواسطيّة : "لا تزال جهنّم يُلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟. حتّى يضع ربّ العزّة فيها رِجْلَه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط .
6 - الجبرقالت الوهّابيّة بالجبر بمعنى أنَّ الإنسان مجبرٌ في أفعاله، ف الله خلق الإنسان وخلق أفعاله وكلّ ما يقوم به من خيرٍ أو شرٍّ.قال ابن تيميّة: "العباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم، ومع ذلك فقد أمرهم بالطاعة، ونهاهم عن المعصية ". إنّ كلام ابن تيميّة ظاهر في أنّ الله خالق أفعال الإنسان، وغير خالقها، والإنسان موجِد لأفعاله، وغير موجدها، ففي كلامه تناقض وتضارب.
والحقّ في هذه المسألة الّتي شغلت الأوّلين والآخرين ما قاله الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وعبّر عنه بقوله: "لا جبر ولا تفويض، وإنّما أمر بين الأمرين".
وقد شرح الإمام الرضا عليه السلام معنى هذا القول عندما ذُكر عنده حيث قال: "ألا أعلمكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يُخاصمكم عليه أحد إلّا كسرتموه؟ قُلنا إن رأيت ذلك، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يُطع بإكراه، ولم يُعصَ بغلبة ولم يُهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادّاً ، ولا منها مانعاً وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل فعلوه، فليس هو الّذي أدخلهم فيه ثمّ قال عليه السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه .
7 - الحاكم الجائريعتقد الحنابلة بما فيهم الوهّابيّة بأنّه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر، والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانيّة، وصاحبه حنبليُّ المذهب. واستدلّوا بقوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُم) النساء59. وتقريب ذلك أنّ الحاكم يصدق عليه أنّه من أولي الأمر الّذين فرض الله تعالى على العباد طاعتهم، لذلك لا يجوز الخروج عليه حتّى لو كان ظالماً غير مراعٍ لأحكام الإسلام وتعاليمه، وزعموا أنَّ الخروج على الحاكم المُستخفِّ بدين الله الجائر على عباد الله حرام.
8 - الجاهل غير معذورإذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة فإنّه يكون مبتدعاً، حتّى لو كان جهله عن قصور لا عن تقصير، وقالوا: "إذا نطق المسلم بكلمة التوحيد مؤمناً، ثمّ زار القبور جاهلاً بالتحريم يكون مشركاً، وجهله ليس بعذر ".والحقيقة إنّ الجاهل على نوعين، جاهل مقصّر وجاهل قاصر، فالأوّل غير معذور مع قدرته على المعرفة والتعلُّم والالتزام بما أمر الله، أمّا الثاني فهو معذور لعدم معرفته أو عدم قدرته على الالتزام بما أمر الله.
https://telegram.me/buratha