حافظ آل بشارة
عندما توصف دولة ما بأنها دولة فاسدة فلا يمكن لشعبها ان يتوقع منها عملا جادا لمعالجة الفساد ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ولأن اي مشروع لاصلاح الفساد هو اعلان حرب على الدولة نفسها ، ولكن ذلك لا يعني انقراض النزاهة الاخلاقية ، النزاهة تتحول الى صفة شخصية لبعض الافراد في داخل منظومة الفساد وليس مبدأ للعمل ، ولا يمكن لفرد نزيه ان يتكلم عن النزاهة أو يدعو لها ، لأن دعوته تضعه في مواجهة غير متكافئة مع شبكة الفساد ، لذا فهو يعيش حذرا خائفا يعاني العزلة والوحشة ويفقد علاقاته في محيطه الوظيفي ، وتحجب عنه المعلومات والوثائق الرسمية والمذكرات خشية ان يطلع على ما في دائرته من مخالفات وفساد ، ولا تستطيع الدوائر الفاسدة تحمل وجود اشخاص من هذا النوع لمدة طويلة فتقوم بنقلهم الى اقسام غير فعالة ، ولكن عندما يخرج الموظف النزيه عن صمته فيعبر عن رفضه للفساد أو يلفت الى ذلك انظار الآخرين فسوف يواجه برد فعل فوري من اعلى المستويات بنقله الى مكان بعيد ، او تهديده ، او تلفيق تهمة له واعتقاله ، واحيانا اغتياله بطريقة غامضة ، لذا اعتادت شعوب الدول الفاسدة على حوادث اغتيال الكثير من الاشخاص رجالا ونساء بطرق غامضة ، وبذلك يكون للفساد وجهه القمعي الذي لا يظهر الا في مثل هذه الحالات ، وتكتسب سلطة الدولة الفاسدة قوة اضافية عندما تكون مدعومة بتحالف سري مع شبكات فساد او شركات اجنبية او مخابرات عالمية تتقاسم معها المكاسب المالية ، وتكون مافيات الفساد اقوى من السلطة الرسمية عادة ، وما السلطة الا خادم مسخر لتلبية طلباتها وغطاء ظاهري لتمرير اعمالها ، وهذا يعني ان الدولة الفاسدة هي دولة محتلة من قبل قوة سرية ، لذا فان كبار الفاسدين يشعرون بالخطر من شعبهم دائما فينقلون اموالهم ويشترون عقاراتهم في الخارج بالتنسيق مع اصدقاءهم الاجانب ، وقد يكونون محميين قانونيا امام اي محاولة للمحاسبة او المسائلة هناك ، هذا النموذج معروف في دول افريقية تعد مثالا يدرس في الفساد وتطور آلياته مثل غينيا ، تشاد ، السودان ، والكونغو ، الصومال و ليبيا ، القاسم المشترك في الفساد الأفريقي هو نقل مليارات الدولارات الى المصارف الاوربية ، مما يسبب استنزافا للثروة وما تنتجه من ارباح وفرص ، رؤوس الاموال المهربة من 30 دولة أفريقية منذ سنة 1970 ولغاية 1996 بلغت 187 مليار دولار وهو اكبر من الدين المترتب على هذه الدول مجتمعة . يقابل النموذج الافريقي نموذج الفساد الآسيوي فالحكام الفاسدون في شرق آسيا اكثر وطنية ورحمة فهم يستثمرون اموالهم في داخل بلدهم فتبقى الاصول المالية والارباح والعمالة الناتجة داخل البلد وتسهم في تنميته ، عندما يستحكم الفساد ويصبح علاجه مستحيلا تكون المفاضلة عند الناس بين فاسد وطني وفاسد عميل ، وليس بين فاسد ونزيه .
https://telegram.me/buratha