علاء التريج حقوقي ومستشار نفساني
يقول بعض العقلاء ان في التاريخ حكم يستفيد منها القارئ الواعي, ان التاريخ والتجارب الانسانية علمتنا ان اي جماعة من الناس تستشعر بالمظلومية والحرمان يكون افرادها اقرب لبعضهم البعض خصوصا اذا كانوا يمثلون اقلية في وسط جماعة متوحشة لا ترعى للإنسان حرمة, ان ظروفا كهذه تجعل اواصر التقارب بين افراد هذه الجماعة قوية جدا, وتزداد قوة كلما ازداد الحرمان والاضطهاد لهذه الجماعة, خصوصا اذا كان على اساس ديني او طائفي او عرقي. ان هذه الجماعة ستجدها تبدع في شتى المجالات تجعلها تختلف عن الاخرين محاولين التعويض عما اصابهم من نقص في الحقوق ليثبتوا هويتهم تحديا للخصم .رفحاء لم تكن بعيدة عن هذه الاجواء, ان لم تكن نموذجا تجلى من خلاله كل انواع الاضطهاد الطائفي من قتل وتشريد وحرب نفسية وفكرية استمرت بشكل متواتر, انها السنون العجاف التي تعرضت لها شريحة من كل طبقات المجتمع العراقي في صحراء لا تحيا فيها الوحوش والسباع ولا شجر ولا زرع, يحيط بك جماعة تكفيرية تمتلك كافة انواع الاسلحة, يقتحمون المعتقل بعنوان الجهاد ومن يقتل عددا منا يدخل الجنة, وعندما نرسل شهدائنا وموتانا الى العراق يعود الجثمان وقد كتب عليه ( الخائن لا يدفن في ارض الوطن ). ان الصورة الواقعية للأجواء التي كان يعيشها ابناء رفحاء لا يمكن ان تكتمل من خلال كلمات مهما كان الكاتب بارعا, لا يمكنه ان يعطي الوجه الحقيقي لما تعرض له هؤلاء. ولذلك كان من الطبيعي ان تكون هذه الظروف كافية في صقل شخصية الانسان الرفحاوي وتجعله اكثر تمسكا بهويته الدينية والثقافية والفكرية. كما جعلت هذه الجماعة تكون اكثر قربا من بعضها البعض, خصوصا انهم اصحاب انتفاضة ضد اعتى طاغية عرفه عصرنا الحديث, ان هذا القضايا المشتركة والاضطهاد الذي تعرضوا له جعلتهم امام صناعة شخصية جديدة, وكذلك امام هوية فرضت نفسها اسمها ( رفحاء ), قد تكون هذه الهوية اكثر قوة من رابطة العشيرة والمحافظة والمنطقة. ان الغريب في هذه الجماعة كانت وكأنها منتقاة من قبل خبير, فتجد فيهم رجل الدين الذي حضر البحث الخارج لدى زعيم الحوزة العلمية الامام الخوئي ( قدس سره ), كما تجد تلميذا اخذ جل علومه من السيد الشهيد الصدر ( قدس سره ), ومنهم من هو على نهج الامام الخميني ( رض ) وكان قد تشرف برفقته, كذلك وجدنا ان خدمة المنبر الحسيني بمستويات مختلفة من الفضل, كما كان فينا القانوني و الطبيب واستاذ الجامعة والشاعر والاديب والمدرس والمعلم والرياضي والجندي والسجين السياسي وشيوخ عشائر وكبار السن والاطفال والشباب النساء, وكل واحد منهم اخذ يؤدي دوره في حياة جديدة قد ادركوا ان الاستسلام يعني الضياع, فبدأت مرحلة العلم والحركة الدؤوبة كل من موقعه حتى قطعوا شوطا كبيرا. وكما ذكرنا ان من افرازات هكذا ظروف تجعل هذه الجماعة تبدع من اجل اثبات الهوية وبالفعل حصل ذلك. اخذ الرفحاويون ينتشرون في اصقاع الارض فتجدهم في اوربا وامريكا وكندا وايران و منهم من مكث في ذلك المعتقل الرهيب الذي بقى المحور للجميع. ان الذين خرجوا من ذلك المعتقل لم ينسلخوا عن هويتهم وما تزال حالات التواصل بينهم على الرغم من بعد المسافات و زمن الفراق بينهم.ان الذي لا يعرفه الذين حملوا راية العداء من الساسة لأهل رفحاء, ان اهل رفحاء كانوا حسب بعض التقديرات 38 الف, ذلك في عام 1991, وهو قبل 22 عاما, بعد هذه السنين كم اصبح عددهم؟, هل من الحكمة ان يقوم سياسي واعي بعداء عشرات الالاف من الواعيين الذين عاصروا جميع الاحداث السياسية وفهموا حركة التغيير وكانوا هم من حطم اركان نظام طاغوتي متجبر؟! كيف يمكن لمن يدعي انه يفهم حركة المجتمع ان يعادي جماعة مثل اهل رفحاء الذين قضوا اكثر سنوات حياتهم في الحديث ورده, وكان شغلهم الشاغل هو الجدل السياسي او الديني او الفقهي او الاجتماعي؟! هل يعلم الساسة ان اكثر جماعة في العراق تتوافر فيها كل هذه العناصر من القوة قد انتشر في كل مكان وهم اليوم اقوى من السلطة الرابعة؟!! هل يعلم الساسة ان معتقلي رفحاء هم اساتذة بالحوزة وهم اساتذة جامعات وبرلمانيين, وهم حواشي لكثير من القادة السياسيين وفي الدوائر المختلفة...؟! ان صاحب العداء المعروف لأهل رفحاء الذي جعل احد اقربائه الرفحاوي حماية له, اتصل به احد ابناء رفحاء قبل انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة, وكنت جالس واسمع ما يدور من حوار بينهم, حيث استطاع الاخير بتغيير قناعة ذلك الحماية بدقيقتين فقط من ان ينتخب غير القائمة التي يرعاها السيد الوزير. ان هذا يدل وبشكل واضح ان معتقلي رفحاء يتحدثون بلغة لا يفهمها الا هم, وان لديهم طرق للتناغم مع الاخر مكنتهم من ان يغير موازين القوى لدى الشارع العراقي الشيعي في كل انتخابات جرت. ان هذا الحديث نستند به على ادلة ومصاديق. فمن الغباء السياسي ان يجهر احد بعداء هذه الجماعة المتماسكة, وان اي رهان على تفريقهم فهو فاشل سلفا. رفحاء هي بيضة قبان الانتخابات في الشارع الشيعي وهذا مالم يعرف الساسة.
https://telegram.me/buratha