بقلم ابراهيم الجبوري
في الدول التي تشهد تحولات ديمقراطية تكون هذه التحولات فيه تدريجياً من اجل خلق حالة من التوازن بين الديمقراطية وتشكيل النظام السياسي الجديد وخلق قواعد شعبية داعمة لهذه التحولات ومؤسسات دستورية راعية وحامية لهذه التحولات ... ولكن في العراق وبعد مرور عشر سنوات من هذه التحولات لم نشهد ولادة هذه المؤسسات ولازالت العملية خاضعة للشد والجذب والتوافق الحزبي والمصلحي الضيقي والعودة في كل ممارسة انتخابية للمربع الاول لتكريس السلطة الفردية والحزبية ومكتسباتها على حساب الدولة والشعب . ومع ما افرزته انتخابات مجالس المحافظات من تغيرات طفيفة في نوعية المرشحين الذين تم انتخابهم من قبل القواعد الشعبية وعزوف القسم الاكبر من الناخبين بسبب الفشل المزمن لتحويل الشعارات الانتخابية الى برامج عمل واقعية، الا انه نتائج هذه الانتخابات تعتبر مؤشرا الى حد ما لبعض التغيير الذي يمكن الاستناد عليه وتطويره الى قوانين واليات انتخاب تمكننا من الحصول على مرشحين اكفأ واقدر واشجع لحفظ مصالح الشعب والوطن في الانتخابات البرلمانية القادمة ولكن هل من الممكن ذلك مع الغلو في النرجسية والدكتاتورية وفساد المال والسلطة التي تجاوزت حدود المواطنة والولاء له؟؟؟ ان طريقة سانت ليغو التي تم اعتمادها في انتخابات مجالس المحافظات اعطت المواطن دورا اكبر ومساحة اوسع للمشاركة في اختيار المرشحين وايضا سمحت لشرائح واسعة من المجتمع العراقي بالمشاركة والحصول على فرصة المساهمة في بناء الحكومات المحلية وفك قيد الاحزاب الكبيرة النافذة في الهيمنة والتسلط على الدولة ومؤسساتها على اسس دكتاتورية مغلفة بديمقراطية صورية لاطعم لها ولا رائحة عبر دوائر وقوائم مغلقة يصوت فيها الموطن للصالح والطالح على حد سواء من دون القدرة على التمييز والاختيار او لفض الفاسدين والفاشلين بعدما تم تشخيصهم. وما يجري اليوم من نقاشات وخلافات حول قانون الانتخابات البرلمانية القادمة لاعلاقة له بالوطن ومصالحه او المواطن وحقوقه ، وانما هو نقاش الهدف منه الحفاظ على اكبر عدد ممكن من المفسدين والفاشلين الذين لفظهم وشخصهم وميزهم الشعب ولم يصبح لهم مكانا في خارطة السياسة العراقية ، ولانعلم كيف يسند القانون الى اشخاص جلُهم ممن اثبتوا عجزهم وفشلهم في البرلمان الحالي مع ولاءهم الاعمى لكتلهم على حساب العراق والعراقيين من اجل اقراره !!! ان انحراف مسار عمل السلطات الثلاث عن العمل بشكل صحيح لتعزيز دولة المؤسسات والبحث عن ذرائع ووسائل تضمن بقاءهم جاثمين على صدر الوطن والشعب الذي لايمكن ان يعفى ايضا من المسؤولية مع هيمنة المصالح الشخصية والصفقات المشبوهة جعل من مجلس النواب عبارة عن كانتونة خاصة لتشريع ما يخدم احزاب السلطة ويعزز من نفوذها وهيمنتها على حساب معاناة وآهات وجروح الوطن والمواطن الذي لازال يضحي وينزف يوميا الدماء والشهداء بسبب الفشل الامني والسياسي والاقتصادي والخدمي والعجز التام لاجهزة ومؤسسات الدولة سواء المحلية او التنفيذية او التشريعية والامنية من القيام بواجباتها بالشكل الامثل والصحيح. والقوائم المغلقة وسيلة من وسائل بقاء الوضع على ماهو عليه بل وستعود بنا الى مراحل ادنى من المربع الاول بسبب وضوح الرؤيا والهدف للاحزاب المطالبة بهذا النظام من الانتخابات وهي بقاء العراق رهينة الفشل والفساد للسنوات الاربع القادمة ونهب المال العام وانعدام الخدمات لاكبر فترة ممكنة مع بقاء القوانين والتشريعات التي تساعد على بناءه ونموه حبيسة ادراج التوافق والصراعات الحزبية الضيقة على حساب ابناء الشعب الذي لازال يعاني .. وان كان النظام الجديد او القوائم المفتوحة سوف لا تعالج مشكلات العراق بشكل اني ولكنها على الاقل سوف تسهم في ابعاد شريحة مهمة من الفاسدين والمفسدين من العملية السياسية وابعادهم عن السلطة التشريعية التي لازالت عاجزة وقاصرة عن اثبات ولاءها للعراق والعراقيين وربما صعود من هم اكثر منهم حرصا واخلاصا للعراق والعراقيين . ان الكتل والتيارات الوطنية المخلصة والفعاليات المدنية ومنظمات المجتمع المدني وابناء الشعب العراقي مطالبون بالعمل الجاد من اجل اخذ دور اكبر في تشكيل وعي وطني انتخابي يساعد الناخب على التخلص من الشعور الطائفي في الانتخاب وما يسببه هذا الشعور من خوف من استبدال الفاسدين والكاذبين والسراق بذريعة حفظ هذا الدين او ذاك المذهب والامر بكلتا الحالتين غير صحيح ،وعلى الجميع خلق حالة من الوعي الوطني والعمل على تنميته مع اعطاء دور اكبر للشباب للتعبير عن قدراتهم في تشكيل هذا الوعي وتنميته وخلق جيل قادر بحسه الوطني ان يقدم مصالح الوطن على كل مصالحه الاخرى سواء كانت قومية او طائفية ويكون العراق اولا واخرا ومن ثم البحث عن المصالح الحزبية والشخصية والفئوية . ان لفظ الفاشلين والسراق والفاسدين والارهابيين الذين لايمكن اعتبارهم ممثلين لفئة او طائفة ويصبح الدفاع عنهم دفاعا عن العقيدة او المذهب او الفئة لانهم لايعبروا الا عن انفسهم واستبدالهم بخير منهم واصلح واكفأ واقدر على ادارة العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي هو الافضل والاكثر حفظا للقومية والطائفة التي ينتمي لها هذا العضو او ذاك. اليوم الشعب العراقي مطالب باستلهام الدروس والعبر من الدروس المجانية التي اعطتها الشعوب الحية للعالم في رفض الظلم والانتفاض من اجل الكرامة والعدل ونبذ الفاشلين والعاجزين عن ادارة الدولة بغض النظر عن الطرف الحاكم وتوجهاته ومعتقداته والسعي لبناء دولة اساسها العدل وقوامها الاشخاص القادرين على تشريع قوانين تحافظ على الوطن قويا عزيزا والشعب كريما منعما في وطن متنامي فيه الوعود صادقة والاهداف والستراتيجيات واضحة لبناء البلد وحصول المواطن على الكهرباء والخدمات الاساسية قبل تصديرها لشعوب العالم الاخرى . الشعب العراقي بحاجة لجلد الذات والخروج من شرنقة التبعية الفردية للانتفاض بوجه الاحزاب والكتل والتيارات المهيمنة والمصادرة لارادة وفكر وحق المواطن في اختيار من هم اقدر على تصحيح المسارات وتقويم الاعوجاج المزمن في العملية السياسية وسيطرةهذه المجموعة من البطانة الفاسدة على قرارات ومقدرات الشعب العراق ... هذا الشعب الذي بامكانه هو فقط ان يعدل الحمل المايل ... قبل ان يطيح ويعيد لهذا الوطن كبرياءه الجريح وهويته الغائبة ومقدراته المسلوبة. ابراهيم الجبوري
https://telegram.me/buratha