المقالات

لولا دعاؤكم...

693 16:55:00 2013-07-22

حسن الهاشمي

ورد أن الدعاء مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة، وأنه ترس المؤمن، ومخ العبادة، وإذا قل الدعاء نزل البلاء، كما ورد أيضا أنه سلاح المؤمن وعمود الدين، وأنه إذا كان مخلصا ويتدفق من قلب كسير ودمع وفير يدفع شر الأعداء ويرد البلاء قبل نزوله وعند نزوله وبعد نزوله، وأنه شفاء من كل داء.وطالما ورد في المآثر إن الدعاء من أفضل العبادات ، وقد ورد الحث عليه في القرآن الكريم في آيات عديدة منها قوله تعالى : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وقوله تعالى : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) ، وقوله تعالى : (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) ، وقوله تعالى : (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، كما نقل القرآن الكريم الدعاء على لسان عدد من الأنبياء والصالحين من المؤمنين في مواقف حرجة، وكانت الاستجابة لهم بذلك.وأصل الدعاء واجب من الواجبات الشرعية ولابد للمؤمن من الإتيان به وممارسته في الجملة، كما تدل على ذلك الآيات السابقة، وورد أيضا في الأحاديث التأكيد لذلك، فقد روى الكافي بطريق معتبر "عن سدير عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال : قلت لأبي جعفر : أي العبادة أفضل، فقال : ما من شيء أفضل عند اللّه عز وجل من أن يُسأل ويطلب مما عنده وما احد ابغض إلى اللّه عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده" .وفي رواية معتبرة رواها الكافي "عن حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه قال : سمعته يقول : ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر، فإن الدعاء هو العبادة، إن اللّه عز وجل يقول : (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)".وعادة الذي يلتجأ إلى الدعاء هو قوي الإيمان، هو الذي يعتقد بأن الأمور لا تجري إلا بما قدره الله تعالى ضمن اختيارات العباد، فيلتجأ إلى الله تعالى أن يعينه على العبادة والتوفيق والتغلب على الصعاب والمشاكل، وهذا التضرع بالإضافة إلى يستبطنه من الاستعانة والتوكل هو دليل عملي على إن كل ما بحوزة الإنسان فهي منوطة بمدده ولطفه ورحمته بالعباد، ولو انقطعت تلك الرحمة واللطف آن واحد لأضحى الإنسان قاعا صفصفا تذروه الرياح ذاهبا غير مأسوف عليه، فالارتباط به سبحانه وفقا لما تتطلبه موجبات اللطف والعناية هي غاية الإيمان والارتباط بالغيب الذي يلاحظه المؤمنون لمساته الحسية في حياتهم اليومية من توفيق وبركة وخير ورحمة لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.عن الإمام زين العابدين(ع) قوله: (إنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ويذكره بخير قالوا: نِعمَ الأخُ أنتَ لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بالخير، وقد أعطاك الله مثليّ ما سألت له وأثنى عليك مثليّ ما أثنيت عليه ولك الفضل عليه) .ومن النماذج الرائعة لرسالة الدعاء الاجتماعيّة تلك الدعوات الطاهرة الخالصة التي كان يدعو بها الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) فله في دعاء مكارم الأخلاق: «اللهُمّ وسدّدني لأن أعارض من غشني بالنُصح، وأجزي من هجرني بالبِّر، وأثيب من حرمني بالبَذل، وأكافي من قطعني بالصِّلَة، وأخالف من اغتابني بحسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيّئة» .وفي دعاء آخر تبرز أمامنا رسالة الدعاء الاجتماعيّة ودورها وقدرتها على تغيير الانحراف وارتباطها الفاعل الحركيّ بشؤون الإنسان وقضاياه: «اللهُمَ إنّي أعتذر إليك من مظلومٍ ظُلم بحضرتي فلم أنصُرَه، ومن معروفٍ أُسدِيَ إليَّ فلم أشكُرَه، ومن ذي فاقةٍ سألني فلم أوفّره، ومن عيبِ مؤمنٍ ظَهَرَ لي فلم أستُرَه، ومن كلّ إثمٍ عَرَضَ لي فلم أهجُرَه» .لا أنانيّة ولا حقد ولا خوف ولا يأس ولا قلق ولا فشل ولا ألم ولا تجّني ولا ظلم في مدرسة الدعاء، بل إنها مدرسة مفعمة بالإيمان والإيثار والشجاعة والشوق والإطمئنان والفروسية والإنتماء والعدالة والإنصاف والشهامة.نعم ... إنّ الدعاء لقاء مباشر مع الله واعتراف وتوبة تطهّرنا من خطايانا التي تركت أسوأ الآثار في سلوكنا الشخصيّ وفي سلوكنا الاجتماعيّ على حدٍّ سواء، فالتوكّل يعني أن يبقى الإنسان المسلم على اتّصال مستمر مع الله سبحانه وتعالى فلا يتمرّد عليه وإنّما يحوِّل علاقته بالسّماء على أساس إيجابي فاعل في كل قضاياه ... في إطار حبّ الجماعة والمجتمع وبعيداً عن الأنانيّة وعشق الذات، ولذلك كانت أحاديث أهل البيت(ع) تربط الإنسان بمجتمعه حتّى في العبادات.إنّ الذين وضعوا لنا في التاريخ الإسلامي المشرق متون الدعاء هم النماذج الحقّة لهذا المضمون الصحيح للدعاء من رسول الله(ص) وأمير المؤمنين(ع) وأبنائه الأئمّة المعصومين(ع) حيث كانوا في يقظة موصولة من أجل مناهضة العدو وبلوغ السعادة والقوّة، ومن أجل القضاء على كلّ ما يهدّد وجود الإنسان وقِيَمه، لقد كانوا أبداً مجهّزين، يخوضون المعارك العظيمة مع النفس والهوس والشيطان والطغيان والإغواء والأهواء، وكانوا مع ذلك كله يدعون، فلم يكونوا منزوين أو مترهّبين بل إنهم في قلب الأحداث يواجهون وينصحون ويتباذلون ويدعون.الدعاء إنما يكرس في الأمة حب الخير للجميع وقمع الأنانية في النفوس الظلمانية، وكذلك مقابلة السيئة بالإحسان والموبقة بالاستغفار وهو نوع راق من أنواع التغاضي ولا تجد له مثيلا إلا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وأخيرا وليس آخرا مناصرة المظلومين ومعاداة المذنبين والظالمين، وكثيرة هي المناقب المستكنة في صنوف الأدعية المبثوثة في ذلك التراث الثر الذي وصلنا من القرآن الكريم والعترة المطهرة.علينا أن نتزود من الأدعية بكلّ ما فيها من نفحات الإرادة والعزم والقِيَم والمُثُل والآداب والمعارف، فإنّ الدنيا موحشة، والطريق طويل، والمسؤولية كبيرة ولن يصحّح مسار حياتنا ولن يطهّرها إلا الدعاء لأنّ الاعتراف بالخطيئة بداية التّصحيح، والشعور بالمسؤوليّة بداية العمل الكبير، والإخلاص في العمل مفتاح الإصلاح والتغيير.أعدى أعداؤك هي نفسك التي بين جنبيك، ربما لا تستجيب النفس للدعاء والعبادة، لأنها تواقة للراحة الظاهرية والأنس واللامبالاة، ولكن المؤمن الحقيقي لا يعطي زمام أموره بيد نفسه الأمارة بالسوء، بل يضبها بالتقوى ويسيرها بالعقل ويتحكم بها بالوسطية المنجاة، وهي إن للقلوب إقبال وإدبار فإن أقبلت فعليكم بالنوافل وإن أدبرت فعليكم بطرائف الحكم المحللة، وجميل ما قاله بعض الأكابر: إذا عصتك نفسك فيما تأمرها، فلا تطعها فيما تشتهيه.

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك