لم يعد القول جديدا حين نقر بأن ضعف الدولة يقوي أو ينتج سلطات موازية لها ، تحل محلها في قيادة الأفراد والجماعات، وغالبا ما تكون هذه السلطات بمخرجات سائبة، مما يعطي نتائج سلبية وخطير ة في أغلب الأحيان..والأمثلة على ذلك كثيرة، وأشهرها ما حصل من إختفاء أجهزة الدولة الأمنية بعيد سقوط نظام صدام، ألجأ القوى المجتمعية المتطلعة لدور ما في منظومة الحكم الجديدة، على أن تسارع لإنتاج منظومتها الأمنية الخاصة، وكان العنوان الأبرز هو تشكل الميليشيات المسلحة، التي وإن كانت أدت دورا مهما في حفظ أمن "جماعاتها" الفئوية، إلا أن أدائها كان بالمحصلة سببا للتمزق الإجتماعي الذي سنبقى نعاني منه إلى فترة قادمة ليست قليلة، وسنحتاج إلى علاجات مكلفة على الصعيد المادي والبشري لمحو آثارها..
هذا المثال يقودنا إلى موضع أكثر حساسية وتحتاج مقاربته إلى موضوعية مفرطة، فلا ريب أن المجتمع العراقي ذو نزعة عشائرية أصيلة، وهذه النزعة مارست دورا مهما على مر التاريخ في صيانة الأمن الاجتماعي، حيث أدت العشائر دورا كبيرا في المحافظة على النظام في غياب الدولة، لكن هذه النزعة تؤدي في أحيان كثيرة إلى نتائج عكسية..
إننا في عصر فيه نشهد فيه تغلب عناصر الحياة المادية على حياتنا، وتراجعت إلى حد كبير منظومة القيم النبيلة لصالح القيم المادية، وباتت الموازنة بينهما ضربا من المستحيل، هذا الأمر أنعكس بدوره على النزعة العشائرية ودورها المهم في المجتمع، ونتيجة للظروف الراهنة فإن هذه النزعة اكتسبت أبعادا جديدة في ظل واقع ضعف الدولة وتراجع دورها في قيادة المجتمع، وبواقعية وصراحة فإن الكثير من الأعراف العشائرية باتت متعارضة مع عملية بناء مستقبلنا، ولابد من أن يقوم القادة العشائريين بمراجعتها وتنميط قيم جديدة أكثر موائمة لمتطلبات العصر..
إن الحاجة للإحتماء بالعشيرة لم تعد هي الأولوية في عصرنا المتسارع الخطى نحو التقدم، وأنه لنكوص أن يلجأ المرء إلى حل نزاعاته بوسائط غير قانونية..ويقينا أن العشائر تلعب دورا مهما في تخفيف حدة التوترات المجتمعية، لكن بلحاظ أنها لا تراع القوانين والشرائع المراعاة المستحقة، وأنها في كثير من الأحيان ولغرض الوصول إلى حلول للمشكلات ، فإنها تمسك بالعصا من الوسط ولكن عصاها تميل حيث القوة تميل، وحيث يكون صوت الباطل هو الأعلى.. والمشكلة ليست فقط في معارضة الأعراف مع الدين، بل في جهل بعض الشيوخ والوجهاء بالشريعة الإسلامية وعدم التفقه بأحكام الدين.
إن من بين الأعراف العشائرية ما هو متعارض مع القوانين، ومنها ما هو متعارض حتى مع الشرائع السماوية، ومنها ما هو مخالف لأبسط حقوق الإنسان، ومنها ما هو مكلف ماليا على الأفراد، ويكفي المرء نكبة بفقد عزيز، فتتلوها نكبته بمصاريف مجلس الفاتحة، التي ترهق كاهله وكاهل أسرته..
كلام قبل السلام:ثمة مثل عربي قديم يفسر فهم العرب للإنتماء القبلي: إذا جُنَ رَبْعُكَ, جُنْ مَعَهُم ..!
سلام...
https://telegram.me/buratha