يأتي مقالنا هذا في سياق مقاربة تسعى إلى تلمس طبيعة العلاقة بين القبيلة كظاهرة شكلت ناظما اجتماعيا، وبين الدولة كنظام وبنية سياسية جديدة نسبيا على هذا المجتمع، وإذا كان من المفترض نظريا على الأقل، أن يتقلص نفوذ العشيرة لصالح سلطة الدولة، وأن يتحول الفرد من ربقة الولاءات والارتهان القبلي والمناطقي الضيق، إلى الشعور بالانتماء إلى كيان سياسي جامع، يحقق في كنفه المواطنة والعيش الكريم، فإن الواقع إلى حد الآن، يشير إلى عكس ذلك.
فبعد مضي قرابة قرن من عمر الدولة الوطنية، مازالت القبيلة في إحدى الظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومازال العراقيون يتشبثون بانتمائهم العشائري، ويتمسكون بقيم القبيلة وأعرافها، طالما أنها تضطلع بأدوار بالغة الأهمية في حياتهم بالتكافل الاجتماعي، وإصلاح ذات البين، وتتحمل عنهم مشكلاتهم وما يلحقها من ديات وتبعات، وهي بهذا المعنى في ظل تراجع أو غياب سلطة الدولة والقضاء الرسمي، سلطة شرعية في المنظور الفقهي والثقافة الاجتماعية.
نحن الآن في مدخل الألفية الثالثة، ومازلنا نستفيق على نسقين للحكم أصبحا يتعايشان معا في فضاء واحد، وآليات وقوانين متعارضة بل ومتناقضة، وأضحى الفرد في هذه الدوامة جزءا من هذا الواقع المزدوج المربك بين الدولة ومؤسساتها، والقبيلة وبنياتها ومكانتها في عقول الأفراد والجماعات.
مما يعني أن أغلبية مهمة من السكان، لا ترى أنها معنية بشؤون الدولة المركزية، ولا تحس بروابط ضرورية معها، بل إن الدولة في نظرها ليست إلا استنساخا باهتاً للإحتلالات السابقة وللاستعمار، ووسائله السلطوية المشؤومة من جباة الضرائب والغرامات، ومن حاملي أوامر الترحيل القسري والتجنيد الإجباري.
وهكذا تكرست القطيعة... فظل الشعب، أو في الأصح الغالبية منه، غائبا ومنعزلا عن المساهمة القصدية في صياغة الأحداث المتلاحقة التي أدت إلى قيام الدولة.
والواقع أنه في مرحلة تأسيس الدولة، لم يكن سهلاً أن يقتنع السكان بأية دعوة للإنصياع لنظام الدولة، وظلوا ينظرون الى مثل هذه الدعوات بمنظار الريبة والشك، وهذا أمر طبيعي في المجتمعات العشائرية المعروفة بعنادها وصعوبة انقيادها، وتعتمد في تسيير أمورها على وسائط محلية من الرؤساء التقليديين..
هذا الواقع كان نتيجة منطقية لعوامل تاريخية ومجتمعية تفاعلت في المكان والزمان، وأدت إلى تكريس هذه الوضعية المتمثلة، في عدم ارتباط حركة المجتمع بالمتغيرات الحاصلة خارجياً وداخلياً، وهذا ما حال دون توفر القدر اللازم من الشرعية الاجتماعية للدولة.
كلام قبل السلام: الشيء الجديد في العراق أن تحالفا قبائليا بدأ ينمو بسرعة، وعلى نفس إشتراطات التحالفات القبائلية، إنه قبيلة الدولة...!..
سلام...
https://telegram.me/buratha