حافظ آل بشارة
كلما حدثت مذبحة جديدة في العراق بدأ المحللون والعسكريون والساسة والبقالون والندافون ينادون بصوت واحد : اين الاستخبارات ؟ اين المعلومات المسبقة ؟ اين عملية منع الجريمة قبل وقوعها ؟ وتستمر هذه الاسئلة متطايرة من كل مكان حتى تهدأ العاصفة ، في آخر عملية مخجلة ، عملية تهريب الف سجين ، وقتل ما لايقل عن 150 عسكري من الحراس ، تصاعدت الاسئلة نفسها عن فشل الاستخبارات ، لكن هذه المرة حصلت مفاجأة لم تكن بالحسبان ، فقد انفجرت قلوب رجال الاستخبارات ونفد صبرهم وهم يرون بأم اعينهم كيف يتم تلبيس التقصير برؤوس الآخرين ، فقد اكدوا وهم حانقون ان شبكتهم اوصلت الى المعنيين تقريرها بأن الارهابيين يعتزمون شن هجوم واسع لتهريب السجناء ، حتى ان هذه المعلومة خرجت عن طوقها السري وانتشرت بين اهالي المنطقة غرب بغداد ، وانتشرت بين من هب ودب من السجناء انفسهم ، لذا كان السجناء مستبشرين عندما اخرجوهم لوليمة الافطار الجماعي التي يثير توقيتها مع أمسية الهجوم اسئلة أخرى ، كانوا يترقبون شيئا ما سيحدث ، هذه الحقيقة تدل على ان المعلومات المسبقة متوفرة ولم تكن هي المشكلة ، بل اصبحت المشكلة الفشل الواضح في احدى حلقات الاستثمار المعلوماتي او بعضها او جميعها فالمعروف ان المعلومة الاستخبارية تمر بعدة مراحل هي : 1- التدوين والتقييم . 2- اكمال المعطيات الناقصة . 3- التصنيف والتبويب .4- التحليل والاستخلاص . 5- الابلاغ الى القيادة مع توصيات تعد اساسا لاصدار الاوامر . 6- القيادة تصدر الاوامر الى الوحدات المعنية كرد فعل على تقارير الاستخبارات .7- تقوم بمتابعة وتقييم التنفيذ . وابسط توصية في مثل هذا الموقف مثلا : نقل السجناء المحكومين بالاعدام والخطرين الى اماكن أخرى ، ضبط اوضاع السجناء في قاعاتهم ومراقبة اي بوادر تمرد او تخريب ، تغيير الخطة الدفاعية وابلاغ الحيطة والحذر ، مضاعفة القوات المكلفة بالحماية ، توسيع منطقة الحماية وتقديم كمائن ودوريات ، تهيئة الاسناد المتوقع بما فيه الطيران وقوات الطوارئ ، تنشيط وزيادة المجسات المتقدمة عدة وعددا بدائرة واسعة حول الهدف ، تهيئة شبكة اتصالات ومصادر طاقة كهربائية احتياطية تحسبا لتدميرهما المحتمل عند الهجوم ، هذه اهم المراحل والاستحضارات التي تتخذ كرد فعل على المعلومات الاستخبارية ولاشك ان نجاح عملية تهريب السجناء التي جرت مع توفر المعلومات المسبقة يدل على أحد الاحتمالات الآتية : فشل الاستخبارات في معالجة المعلومة ، فشل القيادة في اصدار اوامر ، فشل في متابعة التنفيذ ، خيانة على مستوى عال ادت الى تعطيل هذه الاجراءات المتسلسلة والتي يعرفها ابسط ضابط ، هل ستتابع اللجنة الحكومية التي شكلت للتحقيق في الحادث تنفيذ هذه المراحل ؟ هل ستكتشف في اي مرحلة وقع الخلل ؟ وكيف ولماذا ؟ ربما تقدم اللجنة تقريرها ، او تلوذ بالصمت مثل لجنة جسر الصرافية هل تتذكرونها ، هل تتذكرون عشرات اللجان التحقيقية التي انقطعت اخبارها ؟
https://telegram.me/buratha