حسن الهاشمي
مبدأ الثواب والعقاب تكرر مرارا في القرآن الكريم وهو المبدأ الذي يقوم على أساس بشارة المؤمنين بالجنة والرضوان الإلهي وإنذار الكفار والمنافقين والمشركين ومن تسول له نفسه الأمارة بالسوء إنذارهم بالنقمة والعذاب الإلهي، هذا المبدأ العادل والمتكافئ هو الذي يحفز على عمل الخيرات ويحذر من ارتكاب الموبقات، وبذلك يسير المجتمع الإسلامي على جادة الصواب دون منغصات تعترض طريق التكامل والتكافل الإنساني. وهكذا فإن الله تعالى يؤكد على هذه الحقائق في موارد البشارة والإنذار وما يترتب عليهما من نعيم وجحيم في قوله: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ - فاطر - الآية - 24جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ - فاطر - الآية - 33وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ - فاطر - الآية - 36إن الله تعالى وعندما خلق الإنسان وما فيه من جنبات مادية وروحية فإنه غالبا ما يستأنس بالأمور المادية لتكون خير محفز له للبذل والعطاء، إلا المخلصون من عباده الذين وصلوا أعلى مراتب الإيمان، فإنهم يعبدون الله تعالى ليس طمعا في جنته ولا خوفا من ناره وإنما يرونه أهلا للعبادة فيعبدونه كالرسول الأكرم وأهل بيته الميامين الطاهرين.ولا تزال الأمم والشعوب تترى عليهم رسل الرحمن منذ بدء الخلقة إلى قيام الساعة لحثهم على عمل الخير والإحسان وتحذيرهم من الزلل والشطط والكفران، لما يضخ في الأمة مناهل الخير والسعادة في المجتمع الرسالي خلافا للمجتمع الجاهلى الذي يكون عادة مرتعا للفسق والفجور وغمط الحقوق والعدوان. فالإنسان الكيس هو الذي يعمل من أجل حياة هادئة وهانئة أما العاجز فإنه يعيش في بوتقة الأماني ولا يجد نفسه إلا في شراك الخيبة والخسران ولات حين مندم حينئذ، وكلا الطريقين ينتهجهما الإنسان بمحظ إرادته لما وهب له الله تعالى من نفس وعقل واختيار، فإن ألجم هواه وشيطانه كان من الفائزين ومن أطلق لهما العنان وانساق وراء ملذاته ومنكراته كان من الخاسرين، هنيئا للعاقل الكيس الذي يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وتعسا للعاجز الماحق الذي يلهث وراء السراب ظنا منه إنه ماء وما هو بماء ولكنه الخسران بعينه.ولكن يبقى طريق الجنة مليء بالمكاره والعقبات لا يمكن تجاوزها إلا بذلك القلب المفعم بالتقوى والذي يتحمل المتاعب في سبيل الله تعالى، وفي هذا الإطار قال رجل لبعض الناسكين: صف لنا التقوى فقال: إذا دخلت أرضا فيها شوك كيف تعمل؟! فقال: أتوقى وأتحرز، فقال: فافعل في الدنيا كذلك، فهي التقوى، والسؤال الذي يطرح هنا بقوة كم منا يتوقى ويتحذر من أشواك الدنيا ومكارهها؟ وقليل من عبادي الشكور، ذلك القليل هو الذي يتخطى المكاره مسرعا إلى رضوان الله تعالى، وأما الكثير من الناس هم من قد حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها، حيث ينجرفون وراء الأهواء والشهوات وجمع المال ناسين أو متناسين أن مهدم اللذات لهم بالمرصاد، وبالنتيجة الخذلان في الدنيا والخسران المبين في الآخرة.ولعل التقوى التي هي منجى لكل مهتد لبيب كما أن فيها من الفوائد الجمة فإن لها شروط ومقومات يصعب تحملها من قبل معظم البشر لتغلب الجنبة المادية على الجنبة الروحية في الحياة المعسولة التي يعيشونها، فالتقوى ليست بالتزام الواجبات وترك المحرمات فحسب، بل إنها تشمل الإبتعاد عن الشبهات وموارد الهلكة قدر المستطاع، قال بعض العارفين: إن آكل الحرام والشبهة مطرود من الباب بغير شبهة، ألا ترى إن الجنب ممنوع من الدخول في بيته؟! والمحدث محرم عليه مسّ كتابه؟! مع إن الجنابة والحدث أمران مباحان، فكيف بالذي انغمس بقذر الحرام وخبث الشبهات؟! لا جرم إنه مطرود عن ساحة القرب الإلهي البتة.
https://telegram.me/buratha