حمودي جمال الدين
احتلت البغدادية المساحة الواسعة في عقول وقلوب العراقيين للأشهر المنصرمة ,حيث كانت الملاذ الأمن الذي يلجئ إليه العراقيون ويشعرون فيه بالراحة والاطمئنان, والتشفي من ناكثي العهود وفاقدي الضمائر, ممن أولوهم الثقة وبايعوهم على حب العراق والإخلاص لشعبه والحفاظ على ممتلكاته وذممه , حيث أتاحت لهم هذه القناة , اقتفاء اثر السراق والمتلاعبين بأموال العراق وثروته, وفضح أساليب وطرق الخونة والمقصرين, الذين استباحوا العراق أرضا وشعبا وخيرات ,.فكانت برامج القناة الهادفة والجريئة التي تعززها بالوثائق والقرائن والادله ,سوطا مرعبا يقض مضاجع الفاسدين, وينشر غسيلهم الوسخ إمام جمهورهم ومريديهم , فيعريهم ويهز ابدأنهم ويشهر بدناءتهم وخستهم.واضحي هذا الأسلوب علاجا ناجعا لمرض الفساد العضال. الذي تفشى واستفحل في أروقة ألدوله ومرافقها بعد التحرير من ربقة النظام البائد.إلا إن البغدادية خيبت ظنون العراقيين ببعض من برامجها الرمضانية, والتي أحالت فيها الشهر الفضيل بملامحه العبادة وطقوسه الدينية التي يتقرب بها عباد الله من خالقهم, في التهدج والمناجاة والدعاء المستفيض, بشفاعتهم وبسط الأمن والأمان على نفوسهم, وإنقاذهم من الطارئين الطفيليين الذين صعدوا على أكتافهم واتخذوا من دين الله سترا وغطاء يلوذون خلفه لتمرير مآربهم وموبقاتهم وفسادهم.إحالته هذه القناة وأخواتها, من شهر العبادات إلى شهر الدعايات, وذلك من خلال الترويج والتسويق الدعائي للسياسيين والمسئولين الحكوميين بعد غسل أدرانهم ,وتلميع وجوههم وتزويقهم وتشذيبهم, عن كل ماعلق بهم من خطايا وآثام ارتكبوها بحق شعبهم ووطنهم ,ثم الإمعان بصقلهم من جديد وعرضهم على شاشاتها, بالشكل الذي يتنافى مع حقيقتهم ورداءة معدنهم وسلوكهم السيئ والمقيت, الذي تعاملوا فيه مع مواطنيهم للعشر سنوات التي خلت من عمر التحرير.,والذي ساهمت القناة نفسها على كشف الكثير من جوانب شخصيتهم المبهمة و المبرقعة بالغش والخديعة والمتسترة بلباس الورع والتدين.فبماذا تفسر البغدادية هذا الانقلاب المفاجئ ,عن نهجها وطريقها الذي اختارته واختطه كأسلوب وطريقة عمل, يصب في مصلحة شعبها ووطنها والتعبير عما يختلج في نفوس الناس من هموم وإلام ؟؟هل هو تكفير عن سيئات, أم صحوة ضمير , أم نوع من الحسرة والندم, على ما فاتها من التقرب من الحكام والتمسح بأذيالهم, والالتحاق بجوقة المطبلين والمصفقين لكابينة الحكومة وهيلمانها الدعائي , من العلامين الذين ارتضوا إلى رهن كلمتهم وأقلامهم وضمائرهم مقابل الفتاة من الغنائم والهبات والعطايا التي يجزلها السلطان وحاشيته والمستنفذين من السياسيين والمسئولين , الذين تتهافت وتتسابق الكثير من الفضائيات لاستضافتهم والتمعن بإشكالهم وهندامهم وشراء تصريحاتهم وكلامهم المعسول المنمق, الذي يضفي على شخصيتهم هاله من العظمة والقدسية والكبرياء, والذي يتمحور عن سنين النضال والكفاح في سوح المعارضة والاغتراب, وعن المعاناة التي عاشوها في القهر والعوز والفاقة.لا ندري كيف تحاول البغدادية وغيرها من القنوات الفضائية ,التوفيق بين الانطباع السيئ الذي يحمله المواطن العراقي عن ساسته ومسؤولية وإهمالهم وتهاونهم الفج والقبيح عن منظر القتل وحمام الدم اليومي الذي أضحى كنشرة الأنواء الجوية الذي يصبح عليها المواطن, وبين تسويق هذه القنوات لرموز الحكومة والسياسيين والمسئولين, بهذه الصور الجميلة المشذبة عن كل ما لحق بها من ادران الفسق والخيبة والفشل.إلا يعتبر ذلك تعدي وتحدي سافر على نفسية المواطن العراقي الساخط والمتبرم أساسا من هؤلاء الساسة وقياداتهم التي أوصلت البلد إلى هذا الانحطاط والتردي ,سواء على مستوى الخدمات, أو على مستوى التخاذل والانهزام الأمني ,الذي ليس له مثيل يضاهيه أو يقترب منه في كل دول العالم .فالحكومة ورموزها وقواها الامنيه والعسكرية التي لاتستطيع الحفاظ على بضعة مئات من المجرمين وشذاذ الأفاق داخل أسوار رصينة ومحكمة الإغلاق تحيقها بأطواق أمنيه متنوعة, مدججة بأنواع الاسلحه الدفاعية والهجومية والساندة ,وتمتلك من المعلومات المخابراتيه الكافية زمنيا ومكانيا وخرائط ومسالك ومنافذ المهاجمين وساعة الصفر, ولا تتخذ كل إجراءات الحيطة والحذر أو الاستعداد القتالي, وتنصرف عن جوهر الحدث بأمور ثانوية وترفيهية, وتصم أذانها عن التحذيرات المتتالية التي تردها, فهل نتوقع من هذه الحكومة وأداتها العسكرية والقتالية إن تحفظ أرواح العراقيين ودمائهم على مساحة واسعة في عموم المحافظات العراقية وهي تواجه الإرهاب بعنفوانه وخداعه وقدرته وتفننه في حسن استخدامه للسلاح . كل أملنا إن لا تخسر البغدادية جمهورها الذي شدته إليها للسنوات السابقة من خلال حياديتها واصطفافها مع المواطن والانغماس في معاناته والحس بآلامه وإحزانه وان تحافظ وتحرص على الذائقة الجمعية التي سأمت هذه الوجوه المتناوبة على المشهد السياسي العراقي لأكثر من عشر سنوات خلت.
https://telegram.me/buratha