حسن الهاشمي
إلى كل إنسان يواجه نوائب الدنيا ومرارتها، وإلى كل قلبٍ يشكو مرارة الألم وحُرقته، وإلى كل عين أعياها القذى وأضناها الدمع، صبراً صبراً قال تعالى: (إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب).الدنيا لم تكتمل لأحد حتى الرسول الأعظم والأئمة الميامين صلوات الله عليهم أجمعين تعرضوا للظاها وكابدوا مرارتها وأذاها، ولكنهم صبروا واستقاموا على المحجة البيضاء فكان النصر والفتح قرينهم ونصيبهم في الدنيا والآخرة. ما عبّر أحد عن الدنيا كما عبّر أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (دار بالبلاء محفوفه، وبالغدر معروفه، لا تدوم أحوالها، ولا تسلم نزّالها، العيش فيها مذموم، والأمان فيها معدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتفنيهم بحمامها).هكذا الدنيا لا تبقى على حال فرح وحزن، دمع وابتسام، بل إنها متقلبة ومتحولة، ملمسها ناعم ومخبئها خشن ومخدعها خادع وبريقها زائف، ولكن الذي يهون على المؤمن فما بعد الضيق إلا الفرج وما بعد العسر إلا اليسر (فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسرا).وأصعب أنواع الصبر هو الصبر عن المعصية، فالذي يستطيع أن يجتاز ذلك فهو المؤمن حقا الذي امتحن الله تعالى قلبه بالإيمان فصبر واجتاز ونجا، وخارطة الطريق في وعثائه ومخاطره يبينه لنا إمامنا الحسن عليه السلام عندما جاءه رجل وقال: أنا رجل عاصي، ولا صبر لي عند المعصية، فعظني بموعظة، فقال عليه السلام: افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت:1- لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت.2- واطلب موضعا لا يراك الله وأذنب ما شئت.3- واخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت.4- وإذا جاء ملك الموت ليقبض روحك، فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.5- وإذا أدخلك مالك النار، فلا تدخل النار وأذنب ما شئت. ستُشرق الشمس وتحمل بين ثناياها أملاً لقلوب بات يطوقها اليأس !! وأضحت الدُنيا في عينها ظلاماً دامساً !! علينا أن نعلم بأن ما جرى بقضاء الله وقدره، فليس بيدنا سبيل لتغييره، والحمد لله على كل حال، فما عسانا إلا أن نصبر على البلاء لتنهال علينا الرحمة والعطف والرضوان الإلهي، ذلك هو الفوز العظيم لا يناله إلا المهتدون العابدون الزاهدون.تأمل نعم الله التي بين يديك ولا تُفكّر بالمفقود والمصيبة واحمد الله فأنت في خير عظيم، لا تستسلم للضيق والألم والهم والغم، فالتفكير قد يزيدك حزناً وألماً، فقط الجأ إلى رب الأرض والسماء، أخبره بأسرارك ولا تُسمِع أحداً سواه، بح بآلامك وحزنك إليه فهو من سيكشف الضُر عنك ( أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) لا تُكثر الشكوى لبني البشر فذاك سيزيد من ضيقكِ، ابعث الشكوى لخالقكِ (إنمّا أشكوا بثّي وحُزني إلى الله) واسأله أن يزيح عنك ما أصابكواستغفره وحده لا شريك له.وأكثر من الذكر فبه انشراح الصدر وسعادة القلب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) توجه لخالقك فقد يكون الله قد ابتلاك لأنه اشتاق لسماع صوتك خاضعا متذللا إليه سبحانه، اسأله الفرج والصبر والأجر، لا تضيع أجرك بالتسخط بل اصبر واحتسب (والله يُحبُ الصابرين).ولعل الصبر بأهمية بمكان يأتي مع كل العبادات والمعاملات والطاعات والمعصيات، لهذا السبب فإن الله تعالى يحب الذين تمسكوا بعروته وطرقوا بابه واسترشدوا بهديه، انظر إلى قصة العابد الإسرائيلي لتتأكد إن الصبر يدخل في كل مفردات الحياة ولولاه لما استقامت طريقة ولما صمدت نفوس عن الأذى والشرور والإفك والمستور، إذ كان في بني إسرائيل رجل عابد زاهد، فاستأذن ملك ربه في زيارته، وقال له: عظني وأوصني، فقال العابد: أوصيك بعشرة أشياء فافهمها، كن عالما جاهلا، محبا مبغضا، راغبا زاهدا، سخيا بخيلا، شجاعا عاجزا، كن عالما بالله جاهلا بغيره، محبا لأوليائه مبغضا لأعدائه، زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، سخيا بالدنيا بخيلا بالدين، شجاعا في طاعة الله عاجزا عن معصيته، وبعد ذلك التفت إلى الملك قائلا: قم حفظك الله، أشغلتني عن عبادة ربي.
https://telegram.me/buratha