حسن الهاشمي
الولاية قبل كل شيء تحصين الأمة من الانزلاق نحو الهاوية والغواية، وإنها بالتالي تأخذ بأيدينا إلى سبل النجاة دنيا وآخرة، وبهذا الاعتبار يمكن تصنيفها في خانة البراءة من أعداء الدين والموالاة لأهل التقوى والأخلاق والفضيلة؛ حيث أن التخلية قبل التحلية، كما يقول أهل المعرفة.إذن حادثة الغدير تكمن في هذه الآية المباركة: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، يعني أن الرسول الأكرم -صلى الله عليه وآله- طيلة حياته الجهادية كان يسعى من أجل تأسيس وبناء الإسلام الحنيف، والتي تزيد على ثلاثة وعشرين سنة، جاءت آية التبليغ في ساعة من نهار، لتكون ولاية أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- شرطا أساسيا في قبول هذا الإسلام الحنيف.بمعنى آخر أنه لا إسلام بلا إقرار بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام).. وإننا بقبولنا الولاية إنما نذعن بالقبول بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله بوحدة واحدة دونما انتقاء، فالإسلام هو التسليم الكامل لما جاءت به رسالة السماء وعلى رأسها الولاية فإنه ما نودي شيء في الإسلام كما نودي بالولاية، فالاعتقاد الجازم، واليقين الفعلي في الإمامة والولاية؛ هو طريق الثبات والتثبت على خط الإسلام المحمدي الصادق، الذي بدوره يؤدي إلى الاستفادة المثلى من الأحكام والمثل والقيم التي دعا إليها ديننا الحنيف. وحتى لا ينقطع عمل أهل البيت -عليهم السلام- يجب أن يكونوا لنا قدوة أمام أعيننا دائما.. ولا ينحصر الأمر بمساعدة الفقراء فقط، علينا أن نراقب تصرفاتنا مع أنفسنا والآخرين، وكيف نوفق للتغلب على النزوات والأهواء، وكيف نكون قدوة للآخرين، وأن نرفض أمامهم وبكل صراحة غيبة أحد المؤمنين، وأن لا نشارك في أحاديث أهل اللهو واللغو والبطلان. وإذا كنا نريد إعطاء الولاية حقها، يجب علينا أن نتصف بأخلاق أهل البيت -عليهم السلام- في سلوكهم الحياتي، وكيف كانوا يتعاملون مع الآخرين، كل حسب ما يناسبه، ومداراتهم بما يكفل احتياجاتهم قربة إلى الله تعالى.وإن العترة الطاهرة عليهم السلام علمونا مراجعة النفس مع حثها للأحسن، علمونا جرد كل ما في ذمتنا من حقوق للآخرين وإعادتها إليهم.. وكذلك إعطاء الحقوق الشرعية لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، والدعاء للإمام المهدي -عجل الله فرجه- واحترامه كأنه يعيش معنا، فكيف نتصرف في محضره تجاه الآخرين؟ علينا عدم الإفراط في الأكل النوم والملذات المحللة، والاجتهاد في العبادة، وقراءة القرآن، وكل ما من شأنه أن نعطي للولاية حقها، فإنها وصفة عمل للمؤمن ليعرج بها إلى الكمال قبل أن تكون شعارا يتغنى به البعض.الولاية بهذا المعنى تأتي مرادفة للهداية، وأنهما لن يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض، لينظر الله تعالى كيف خلّف الناس العمل بهما معا، فالعمل بواحدة منهما دون الأخرى لا يجدي نفعا، لأن الله تعالى يريد التسليم المطلق من العبد وليس الإجتهاد والإبتداع، فالعامل بهما قد تبدر منه بعض الخطايا والذنوب فإنه يكون في معرض شفاعة الرسول والعترة عليهم السلام، بل يكون في معرض رحمة الله تعالى ورأفته بالمذنبين العاصين ولكن بالمعنى الخاص وليس العام كما أسلفنا، جاء في حديث معتبر عن النبي موسى عليه السلام عندما ناجى ربه في جبل طور: يا اله العالمين، جاءه الجواب: لبيك، ونادى موسى ثانية: يا اله المحسنين، جاءه الجواب: لبيك، وأردفها بثالثة: يا اله المطيعين، فكان الجواب: لبيك، بعدها نادى: يا اله العاصين، فجاءه الجواب الإلهي: لبيك، لبيك، لبيك، تعجب موسى وقال: إلهي ناديتك اله العالمين واله المحسنين واله المطيعين وكانت اجابتي بواحدة، ولكن حينما ناديتك اله العاصين كانت اجابتي بثلاث! ما هي الحكمة في ذلك؟! جاءه الجواب: أي موسى لأن المطيعين بطاعتهم والعارفين بمعرفتهم والمحسنين بإحسانهم يعتمدون، ولكن العاصين لم يكن عندهم ملجأ وملاذ سوى فضلي وإحساني، وإذا يئسوا من حضرتي فبمن يلتجؤون؟! وعن غفران الذنوب بمن يلوذون؟!.
https://telegram.me/buratha