الدكتور يوسف السعيدي
ليسوا عدداً من الافراد ،ولا هم بالمئات أو الالوف انما هم ملايين تجاوزت الاربعة على أقل التقديرات .// لم يتركوا بلدهم تنكراً للمواطنة ..// لم يتركوا وطنهم كنوع من العقوق لارض هذا الوطن ..// لم يغادروا الوطن بطراً ، أو بحثا عن مستوى من العيش ارفع ..// الوطن الذي من ترابه قد جبلوا// ومن مائه قد ابتلت عروقهم// وعلى أديمه قد درجوا..// وفي باحاته قضوا زهو الشباب ..// وطن الاجداد الذي كانت تنطق في عيونهم الحكمة// وطن الامهات اللواتي تفيض قلوبهن بالحنان الى الحد الذي تذرف فيه عيونهن الدموع في الاتراح كما في المسرات ..// وطن القرى المنسية التي استقرت فيها قيم الشهامة ..// وطن الازقة التي ينث من شبابيك بيوتها اريج العنبر ..// وطن الرحمة ، والاخلاق ،والوفاء ،والاخوة..// هذا الوطن، هذا العراق ، قد غادره ابناؤه بالملايين ... ليتكدسوا صفوفا طويلة امام مباني الامم المتحدة والسفارات بحثا عن بطاقة لجوء ...// هذا الوطن صار ابناؤه يقضون نهارات الغربة َّ بالحسرات ، واللهفة الى حياة كريمة لم يعد لها وجود..// افواه صغار تتلهف لجرعة من الحليب ...// وبطون خاوية تحلم بالرغيف ...// وشباب غض مليء بالطموح يبحث عن فرصة للدراسة ..// ومريض يلتمس الشفاء من طبيب وقرص دواء ...// ورب اسرة حائر بدفع الايجار ...// وجوه نال منها الضنا .. ويعيشون الالم الممض ،ويقفون امام مستقبل مجهول ،والسؤال الملح عندهم هو متى يقبلون كلاجئين ؟ أو متى سوف يطردون أولاء هم ابناء أعرق البلدان حضارة واغناها ثروة...// هذه الملايين تركت بيوت الاجداد والاباء ، وتركت في جنباتها المتاع، وتركت في كل زاوية منها اجمل الذكريات..// هذه الملايين تركت البلاد لتحفظ دماءها وكرامتها فقط، لتصون حياتها ، فلقد صار الموت في العراق عادة ، صار الموت منتشراً كالهواء ، فهو في الشارع ، وهو في الزقاق ، وهو داخل سوق الخضار ، وهو مرأب السيارات ، وهو في دكان صغير يبيع الفلافل يسمى مجازاً مطعما ، والموت في المقهى ، والموت على قارعة الطريق ، والموت في مواكب لتشييع الموتى، ومجالس العزاء ..// الناس يقتلون جملة وافرادا ولا يعرف لهم أحد ذنبا قد اقترفوه، أو حزب قد انتموا اليه بل ان معظم الضحايا ليسوا سياسيين وان بينهم وبين السياسية حقداً متبادلاً وبغضاء مشروعة ... ومع ذلك فهذا يقتل لانه استاذ جامعي ، وذاك يقتل لانه طبيب ، وثالث يقتل لانه مهندس ، وآخر يقتل لانه حلاق ، وخامس يقتل لان اسمه عمر وشقيقه يقتل لان اسمه علي ... صارت اسماء الاجداد العظام سبة وجريمة ...// لم يبق اذن لملايين العراقيين من ملاذ ، لقد هربوا من الموت الى جحيم الغربة ، وبعض الشر أهون ...// يحدث كل هذا وكأن ليس في العراق حكومة مسؤولة عن حياة الشعب ...// يحدث هذا والاحزاب في صراعات حول المناصب والمغانم ...// يحدث هذا واغنياء البلاد لا يمدون يداً بالخير لاخوانهم بالله وبالوطن بينما يبذخون الاموال على الملذات ...// ان المهاجرين العراقيين ليسوا غرباء عن وطنهم ليشردوا من وطنهم وتستلب بيوتهم وممتلكاتهم .. انهم اهل الوطن..بينما كثير من دعاة الوطنية هم الغرباء ...// ان للعراقيين حقا في وطنهم ، وفي ثروة بلادهم ..// لذلك فان صرف رواتب الموظفين المهاجرين المتقاعدين منهم وغير المتقاعدين حق وليس منه ..// لذلك فان صرف قيمة البطاقة التموينية حق لكل اسرة مهاجرة ...// لذلك فان تحمل الدولة العراقية لاجور الدراسة في الجامعات والمدارس حق ...// لذك فان تحمل اجور العلاج حق لكل عراقي مهاجر ...//لذلك فان اعادة ممتلكاتهم المصادرة اليهم حق لا نزاع حوله ...// لذلك فان حق المهاجرين في التصويت لانتخابات البرلمان أو مجالس المحافظات عن طريق مكاتب تفتحها السفارات لهو حق دستوري لا ينازعهم فيه أحد ...// لذلك ايضاً فان تعويض الدول المضيفة لمئات الالوف من العراقيين عوناً لها عما تقدمه من خدمات هو واجب على الدولة العراقية ...// وانه من المؤلم ان حكومات اجنبية ومنظمات ، ومؤسسات اسلامية وكنائس تفتح مستوصقات لعلاج العراقيين بينما تتصرف اجهزة الدولة العراقية وكأن الامر لا يعنيها ...// اما كفاهم ان يظلوا غير معنيين إلا بمصالحهم الشخصية والحزبية ؟// وهل سيبقى العراقي مراق الدم ، مستلب الثروة ، ضحية للسياسات الحمقاء ؟// صبراً يا مهاجري العراق ، فما دامت حال بنيت على الظلم ، ولا ظلت اوضاع تعيش على بؤس الناس ....
https://telegram.me/buratha