الحق المهتضم
تواصلا ً مع شهيدنا السعيد آية الله السيد محمد التقي الجلالي يشرفني أن أضع بخدمتكم بقية المشاريع التي تبنــّـاها في ناحية القاسم ع و هو :
9 ــ مشروع صندوق القرض الحسن لأصحاب الدخل المحدود و الذي إستفاد في الغالب منه الكثير من الموظفين حيث يقــّـدم طالب القرض قطعة من الذهب رهناً ليكون ضماناً لتسديد المبلغ الذي يقترضه ، و يعيده في مدة أقصاها ستة أشهر ،علما ً أن هذا المشروع بدأ بتبرع مالي زهيد ( خمسون فلساً ) و لا تحديد لأكثره حيث كان الميسورون يدعمون هذا المشروع بمبالغ عالية جداً ، و ليس بالضرورة أن يكون المتبرع من ذوي الحاجة بل ليكون له صدقة جارية . و قد إستفاد من هذا المشروع الخيري البسيط الآلاف من العوائل و الموظفين لسد إحتياجاتهم اليومية .
10 ـــ مشروع مساعدة شهرية لعوائل المعتقلين أو من أعدم النظام رب العائلة ، و العوائل المتعففة سواء من أبناء الناحية أو من خارجها . مضافاً الى المساعدات العينية مثل الطحين و الرز و اللحوم و الملابس خصوصاً في الأعياد و المناسبات الدينية ، و لم ينقطع صرف المعونة لشهر بل كان الشهيد يقترض إذا لم يكن ما يكفي من الحقوق الشرعية بين يديه ، و ربما وصل الأمر بمدّ يد العون الى تأثيث بيت ، أو بناء ، حسب الحاجة و السيولة المالية التي ترد من الحقوق للشهيد . علماً أن مراجعي الشهيد و من يقــّـدمون الحقوق الشرعية لا يقتصر على أبناء الناحية المقدسة .
11 ـــ مشروع إنشاء مكتبات في القرى لتثقيف المجتمع خصوصاً في الأيام الاولى التي إستقر فيها الشهيد في ناحية القاسم ع وقتها كان المدّ المعادي للأسلام قد غزى البلاد العربية عامة و العراق و المناطق المحيطة بالناحية خاصة إذ أن بعض هذه المناطق المحيطة بالناحية يطلق عليها ( موسكو الصغرى ) و لكن الجهد المتواصل ليل نهار كان العامل الرئيس في إنحسار هذا المدّ ليس في الناحية فقط بل القرى والأرياف ما بين محافظتي بابل و القادسية . و يعود نجاح هذا الجهد مع ما كان يحمل من مخاطر على حياة الشهيد و لكن الدعم العشائري كان سنداً ً و ظهيراً للشهيد ، والذي كان يقف بقوة و صلابة مع كل مشروع يقوم به الشهيد لمنفعة المنطقة و ما جاورها . و كان الشهيد يبذل جهداً إستثنائياً في ذلك و هو الزيارات المنظمة للعشائر المحيطة بالناحية ما يبن محافظتي بابل و القادسية . و قد يقتضي الأمر زيارة عشائر خارج المحافظتين لما يمثله الشهيد من ثقل في الساحة الحوزوية لأنه كان الشخصية البارزة و يحضىى بإحترام و رعاية خاصة من المرجعين الإمام السيد محسن الحكيم و الإمام الخوئي ( قده ) .
و كانت لا تمر مناسبة فرح أو عزاء إلا ّ و تجده سّــباقاً إليها . و إذا ما كان في النجف الأشرف للدراسة و سمع بوفاة أحد أبناء المنطقة تراه مشاركاً في مراسيم التشييع و الحضور في فاتحته في ناحية القاسم ع ،و هذا ما جعل الشهيد يدخل القلب بلا إستئذان و محط إحترام حتى من يخالفه الرأي أو الفكر لأنه يرى الجميع بمنظار واحد . و قد تتكرر زيارته للمنطقة بحسب الحاجة للحضور .
مضافاً الى أنه كان لا يعرف شيئاً إسمه نزهة أو إستجمام في حضوره المجالس العشائرية بل كان بعد أن يلقي توجيهاته و يستمع جيدا ً الى مشاكلهم وحّــلها يبدأ رحلته مع التأليف أو التدقيق ، و كثيراً ما كان يصحب تلاميذه معه بمعية كتبهم لإلقاء دروسهم الحوزوية في هذه السفرات التي يراها البعض إستجماماً ، لأنه يعتبرها مضيعة للوقت الذي كان حريصاً على عدم تفويت الفرصة بل أحيانا ً لا يخلد الى الراحة إلا ّ ساعات قليلة جداً ليستعيد طاقاته و نشاطه الفكري .
12 ــ المحاضرات الثقافية العامة و الدينية التي تبث يوميا ً من داخل الحوزة العلمية في ناحية القاسم ع . و من مكبرات الصوت التي تغطــّـي جميع أحياء الناحية و التي كان لها الأثر الكبير في توعية المجتمع و خلق جيل ٍ جديد من الشباب الواعي ، و الذي كان محط إهتمام الشهيد خصوصاً الكوادر المثقفة التي كانت تشارك بصورة فاعلة في المناسبات الدينية ، من إلقاء قصائد شعرية و كلمات و أهازيج .
و هنا أود الى أن نجاح فكرة مكبرات الصوت في الناحية و إستمراريتها كان وراءها الدعم المادي من الشهيد و براتبٍ شهري للعّمال الذين خصصهم الشهيد كل حسب منطقته لإدامة البث .
13 ــ دعوة الخطباء لإقامة مجالسهم الإرشادية مضافاً الى المناسبات الدينية والذين يعّـدون من الرعيل الأول في العراق أمثال الشيخ سعيد الحلي والشهداء السعداء السيد جواد شبّر ، السيد جابر أبو الريحة ، السيد عبد الرزاق القاموسي و الذي كان يعّبر عنه بـ ( الوائلي الصغير و هو خريج كلية الفقه في النجف الأشرف و الذي إعتقله النظام المجرم بعد زواجه بـ ثلاثة أشهر و اعدم ) ، السيد عبد الحسين الشامي ( الذي كان يجمع بين سرعة البديهة و روح المرح ليخلق أجواء جّـذابه للشباب و الأطفال) ،الشيخ هادي النويني ، ومن ( الأحساء ــ السعودية ) المغفور له الخطيب الشيخ علي السمين . و كل من ذكرت كان دائرة معارف و له شهرة واسعة في العراق و دول الخليج ،و لابد أن أضيف نقطة هامة وهي أن المواكب الحسينية التي كانت تحضر الى الناحية المقدسة بجميع المناسبات الدينية و وفيات الأئمة ( ع ) لها الأثر البالغ في الوعي و ترسيخ العقائد الحقة .
إذ كان ما يعرف بالرواديد الذي لهم شهرة في ساحات المآتم الحسينية لهم حضورهم الفاعل في الناحية أمثال المغفور لهم : الدكتور عباس الترجمان ، حمزة الصغير ، عبد الرضا النجفي ، الشيخ ياسين الرميثي ، مهدي الأموي ، سعيد الهّـر الكربلائي ، وطن النجفي ، جاسم الطوريجاوي ، و الخطيب و الرادود الشيخ وهاب الأسدي( و الذي عرف عنه بصاحب الحنجرة الذهبية حيث كان يجيد جميع الألحان الحسينية بجدارة فائقة ) و والده الحاج قاسم الأسدي اللذان كانا من سكنة الناحية المقدسة .
و الى لقاء قريب في حلقة جديدة و هامة في حياة الشهيد السعيد . و أرجو أن يتحملني القارئ الكريم و لا يصيبه الملل في متابعة الحلقات لهذا الشهيد السعيد لأن فيها الكثير من المعاني و العبر . وجّـل إهتمامي و ما أصبوا إليه هو أن لا يضيع الجهد المتواصل للشهيد السعيد و أمثاله ، و يصبح في طي النسيان في ظل من لا يعطي لكل ذي حق حقه من الشهداء في عراقنا الجريح و الذين روّوا بدمائهم الزكية أرض الأنبياء ليبقى نهج أهل البيت ع معلماً للامة .
و من المحزن أن الكثير ــ ربما من أبناء الناحية المقدسة ــ ممن يسمع بالشهيد لكنه لا يرى أثراً لمشاريعه التي دفع من أجلها روحه الطاهرة قربانا ً لإنقاذ المجتمع من الضياع . و أسأل الباري عزّ وجل أن اوفق لبيان ما يسعني بيانه مما يجول في الذاكرة لرّد الجميل لهذا العلم الشامخ في سماء العلم و الشهادة .
https://telegram.me/buratha