سرمد الطائي
كتلة رئيس مجلس الوزراء كانت تصرخ وتستغيث وتعترض لحظة إقرار الصلاحيات الجديدة للمحافظات في البرلمان قبل شهرين، لكن الأحداث تقول إن حلفاء المالكي في المحافظات، صاروا ينقسمون بشدة حول نهجه في الحكم. وأن قيادات مهمة بدأت تتحرك لتقول: كفى أخطاء. وهذا امر بالغ الأهمية لمحاولة تخيلنا ما يجري في كواليس السلطان، حتى لو ظل تحركا واعتراضا محدودا في كربلاء.
وأثناء إعداد الحوار الذي أجريته مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ونشرته المدى في عدد الأربعاء، كنت أسأل: ألا تشعرون بأننا أنفقنا وقتا في النزاع على اللامركزية، اكثر من الوقت الذي خصصناه لفهمها؟ والاستفهام كان ينطوي على إلقاء اللوم على النخبة التي لم تقم بما يكفي لتوضيح هذا المبدأ الإداري المتقدم الذي جاء في روح الدستور، والنتيجة أننا بقينا خاضعين لمركزية مهلهلة أضاعت فرصا كثيرة من البصرة حتى الموصل.
إلا ان السيد نيجيرفان وهو من أسرة فكرت ألف مرة خلال مئة عام، بصيغ الإدارة ونهج الحكم، يقول لي ببرودة أعصاب: "إنها المرحلة الانتقالية أيها الناس، لابد ان تأخذ وقتا، ولا خيار إلا ان نصبر على الموظفين التقليديين في بغداد، ونتيح للطبقة السياسية ان تأخذ وقتها أيضا، والجمهور نفسه بحاجة إلى مزيد من الخبرة ليبلور تصوراته، فقد خرجنا من نظام بوليسي صارم لم يسمح بأية تساؤلات سياسية كبيرة، وفجأة كان علينا ان نتخذ قرارات كبيرة، ولا شك أننا سنرتكب".
ولذلك فإن رئيس حكومة أربيل يحاول تذكيري بأن التقبل السياسي لمبدأ اللامركزية اصبح اكثر حظا اليوم، مما كان عليه قبل خمس أو ست سنوات. والدليل على كلامه السجال والقرارات التي شهدها مجلس محافظة كربلاء صباح الثلاثاء، بشأن الملف الأمني.
محافظ كربلاء الأستاذ عقيل الطريحي وهو محام من دولة القانون وقد شغل لسنوات منصب مفتش الداخلية، ورئيس مجلسها السيد نصيف الخطابي من دولة القانون أيضا، وكلاهما سجل اعتراضات نهار الثلاثاء على طريقة فريق المالكي في إدارة ملف الأمن، ولم يكتفيا بذلك بل اتخذا قرارات "ثورية" تحصل للمرة الأولى في الحكومات المحلية.
ونتج عن ذلك إلغاء حظر التجوال الليلي في المحافظة، وأمر الجيش بأن ينتقل إلى خارج المناطق المأهولة بالسكان، إلى جانب تقليص نقاط التفتيش التي قال الطريحي إنها لا تنتج شيئا سوى تعقيد حركة الأهالي، بينما الحرب على الإرهاب تتطلب زيادة عناصر الاستخبارات ورصد الحركات المشبوهة العنفية.
أيضا فإن الكربلائيين تخلصوا من جهاز كشف المتفجرات الكاذب، واصبحوا بذلك أول محافظة تقوم باعتماد الصلاحيات الأمنية الجديدة التي منحها البرلمان للمحافظات، وأثارت جنون الشيخ خالد العطية، وجعلته يقول ان "المحافظات لا تمتلك كفاءات، وهي بحاجة إلى وصاية من فريق السلطان الزاخر بالكفاءات"!
نظرية المالكي في إدارة الملفات الكبيرة تسقط، حتى بين حلفائه. لأنها بدأت تحرق بيوت الجميع، سواء كانوا من دولة القانون أم من معارضيها، وربما سنشهد خلال الأسابيع المقبلة، المزيد من الاعتراضات الداخلية على الأسلوب المتعنت في إدارة الدولة، الذي قد يدافع عنه حسن السنيد حتى آخر لحظة، لكن عقيل الطريحي ونصيف الخطابي يجدان الأسباب الكافية لرفضه في كربلاء.
إن أسوأ لحظة يواجهها الساسة هي تلك التي تشهد نهاية الإيمان بنهجهم، داخل فريقهم السياسي. وما حصل في كربلاء يمنحنا مادة لتخيل ما يدور من اعتراضات داخل كتلة المالكي، على سياساته التي لم يعد ممكنا الدفاع عنها. تخيلوا فحسب وأنتم تستمعون لحديث الطريحي والخطابي عن طريقة إدارة الأمن التي يعتمدها فريق السلطان، كم قياديا في كتلة المالكي يمتلك اعتراضات كاعتراضاتنا، لأن مصالحه ومستقبله يتعرضان لقمار سياسي رهيب يأخذنا جميعا إلى حافة الهاوية؟
إنه الوقت وحسب، ذلك الذي يتحدث عنه نيجيرفان بارزاني، الذي سيسمح برسم تحولات عميقة في تصورنا السياسي، وسيمنحنا فرصة الانتقال لنظام إدارة حديث لا مركزي، مثل كل الدول المحترمة، وهو ما يجعل أمثالي يتمسكون بأمل أن نتعلم ونتدرب رغم دخان المعارك وسيول الدم. إنني سعيد بكربلاء حقا.
جريدة المدى
https://telegram.me/buratha