سرمد الطائي
التشابه في الاعتراضات السياسية على نهج الحكم بين العراق ومصر، أمر رصدناه جميعا خلال الشهور الماضية. وقد تعلق أساسا بسلوك كل من محمد مرسي ونوري المالكي الذي لا يكاد يعترف باستقلال القضاء ولا شرعية البرلمان،
إلى جانب محاولات "أخونة الدولة" و"دعونتها" وابتلاع المؤسسات. وهكذا فإن الجميع افترضوا ان سلطان العراق الحالي هو نموذج آخر لمرسي، إلا السيد نوري المالكي الذي ظل يعتقد انه ليس مرسي، بل يحلم بأن يمثل دور "الفريق السيسي" الذي اضطر للدفاع عن شرعية الجماهير وأعاد تعريف قواعد اللعبة ووضع خارطة طريق جديدة لبناء نظام انفتاح سياسي في مصر.
والدليل على ما أقول هو تصرفات سلطاننا وتهديده بالطوارئ، والأوقات الطويلة التي يمضيها مع جنرالات الجيش في العراق، وعدم اعترافه بالفشل الأمني.
ولكن إذا كان المالكي يعتقد انه مرشح للعب دور الفريق السيسي، في العراق، فمن هو مرسي العراقي في تصوره؟ وليس الجواب على هذا بعسير، فالمالكي يتصور ان كل معارضيه الأساسيين ليسوا سوى نماذج "لمرسي"، لا لأنهم ابتلعوا الدولة، لأن كل الدولة في مكتب المالكي، ولا لأنهم تجاوزوا على الدستور، لأن كل القوى الكبرى تطالبه منذ اتفاقية أربيل بتطبيق إصلاحات دستورية تعيد للدولة هيبتها.. ان المالكي يرى في خصومه نموذجا لمرسي، لا لأنهم يشبهون رئيس مصر المخلوع، بل لأن رئيس مجلس وزرائنا يشتهي ان يلعب دور السيسي! وحينها لا بد له من مرسي ما.
وقد ظل المالكي يبحث عن "مرسي العراقي" ليطيح به دون جدوى، في طوزخورماتو والرمادي والحويجة، وبعد ان عجز عن ترتيب عملية ناجحة للظهور بمظهر "البطل القومي الذي يعيد لروما هيبتها"، راح هو وأنصاره يبحثون عن كبش فداء في النجف، فتطاولوا مرات على المرجعية العليا، لأنها رددت اعتراضات الجمهور، أما في هذه الأيام فيبدو ان السلطان وبطانته، وجدوا هواية جديدة تتعلق بمقتدى الصدر وتياره.
وبالطبع فإن الصدر وطاقمه الشاب لعبوا دور رأس الرمح، في محور أربيل -النجف المطالب بالإصلاح السياسي، وساهموا مع حلفائهم في التحالف الكردستاني وأطراف العراقية، في فضح قضايا كبيرة وإحباط نوايا سيئة، داخل كل الأزمات. وسلطاننا يشاهد بأم عينه ان جمهور بغداد والبصرة ومحافظات عديدة كان يعتبرها "معقله وعرينه"، قد كف عن الانخداع بشعارات قانونه وصولاته، فالجمهور كشف المحتوى الفاسد لكل الحركات العنيفة التي وضعت بلادنا على شفا حرب أهلية، وباءت مساعيها بالفشل في الاقتراع المحلي الأخير.
لقد نفدت كل الذخيرة في مخازن الرجل، وهو يقف عاجزا، وهذا ليس هو المهم اليوم، بيد أن الخطورة هو ذلك التصور الذي يشبه "الوسواس القهري" الذي يجعل المالكي يشعر بأنه "السيسي" وأن خصومه نماذج لمرسي، ولذلك يطلب اتباع "قانون طوارئ" للإطاحة بخصومهم، حالمين بالاستفادة من انهيارنا الأمني الذي كان نتيجة مباشرة لسلسلة الحماقات المرتكبة منذ انسحاب الأميركان.
لكن المالكي بهذا يحلم بتقديم "نموذج معكوس" للفريق السيسي، فبينما كان القائد العسكري لمصر يريد تقييد شهوة استبداد الرئيس، وإعادة الاعتبار للقضاء والبرلمان والحياة الدستورية والوقوف بوجه ابتلاع الدولة من قبل فريق السلطة، فإن نموذج "السيسي المالكي" يريد اغتنام الأمن المنهار، للقضاء على معنى الحياة الدستورية وتعطيل البرلمان وربما، تحويل أبرز منافسيه الشيعة، إلى شيء يشبه طارق الهاشمي، ملاحقين بخمسةإعدامات، وفارين في دول الجوار.
إنه حلم فاسد جديد يجعل فريق سلطاننا مرتهنا بالخديعة والوهم، ويزينه لهم بضعة هتافين من المدنيين والعسكر، والنتيجة الوحيدة الواضحة لهذا الحلم "المقلوب" هي خسارة جمهور إضافي لم يسبق له ان سخر من الفريق الحاكم، كما سخر في الآونة الأخيرة، كهربائيا وأمنيا وسياسيا.
إن سياسات المالكي وحبه لرؤية الأشياء بالمقلوب، كلفتنا الكثير وأسالت دماء كل الطوائف، وجعلتنا نخسر معادلة الاستقرار النسبي التي امتلكناها عام ٢٠١٠، لكنها في المقابل قدمت لنا درسا إضافيا يحدد لنا الضمانات المطلوبة لحكومة ٢٠١٤، التي باتت مشروع إصلاح وإنقاذ واضح يتطلب الدفاع عنه بكل ما تبقى لدينا من أمل، لأن هناك ألف "مرسي" ينظر للتوازنات بالمقلوب، في الداخل والخارج، يريد إجهاض حلم التغيير، زاعماً أنه "السيسي".
جريدة المدى
https://telegram.me/buratha