عدنان السباهي
إن جذور الانقسام السني الشيعي تعود إلى صدر الإسلام وتحديدا بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة، وما حصل في الخلافة الراشدة والأموية والعباسية من تداعيات وانقسامات، يليه فصل من الطائفية في عهد الحكم العثماني، وفصول من الطائفية في العهد البريطاني ودور الشيعة في الجهاد ضدهم في ثورة العشرين،وموقفهم من الحكم الملكي ودور المناهج والتدريس الذي كرس الطائفية في عهد ساطع ألحصري وما تبعه من محاولات التشكيك في عروبة شيعة العراق وولائهم للوطن وتهمة التبعية والشعوبية، والتشكيك في إسلام الشيعة، وفي العهد الجمهوري ألقاسمي والعارفي أيضا لم يستطع إلغاء الطائفية والقومية بالرغم من إنها كانت اقل حدة، وما حدث في عهد البعث من تكريس للطائفية بأبشع صورها من خلال العسكرة والتبعيث لكل جوانب الحياة.إن مشاكل العراق كثيرة وعلى رأسها الصراعات الطائفية، وهي ليست وليدة سقوط النظام البعثي 2003 والجيل الحالي بل هي نتاج التاريخ والجغرافية وتراكمات مظالم الحكومات عبر قرون ، فكما كان منبع لظهور الأنبياء والأديان والمذاهب الدينية المختلفة، والحضارات المختلفة كالسومرية والاكدية والبابلية والأشورية والكلدانية والساسانية وغيرها ، واعتنق سكانها ديانات عديدة مثل الزرادشتية، والمانوية ، واليهودية ، والمسيحية، وأخيرا الإسلام، لذلك امتاز شعبه بتعدد القومية، والدينية، والمذهبية، واللغوية، والثقافية، والصراع الطائفي (السني- الشيعي ) والقومي (عربي- كردي- تركماني) والذي اتخذ إشكالا مختلفة في عدم استقراره السياسي وازدهاره الاقتصادي، فخلال الحكم العثماني السني عاملت الشيعة كمرتدين وخارجين عن الإسلام ، وأقربها لنا الحكم ألبعثي الذي مارس التهجير ألقسري للشيعة ومصادرة أموالهم ، واستخدام القبضة الحديدية وتبني سياسة فرق تسد بين طوائف الشعب فقسمته بين مناضل وعميل وبين من يحصل على كافة الامتيازات وبين مبعد ومطارد.وان تفاقم الصراع الطائفي والاثني في العراق هو لكل مكون من مكونات الشعب العراقي تماثل( إخوة أما في المذهب أو في القومية) في دولة من دول الجوار، تستقوي بها عند الضرورة ، والتدخل من قبل دول الجوار في الشأن العراقي بذريعة دعم إخوتهم بالمذهب والقومية والسبب الحقيقي هو الخوف من نجاح الديمقراطية في العراق ووصول عدواها إلى بلدانهم ومطالبة شعوبهم بالديمقراطية، وان معظم الديمقراطيات الناضجة مرت بالصعوبات والتضحيات التي يمر العراق بها اليوم، وما يعاني الشعب العراقي من استهداف وقتل جماعي ليس سببه الأحزاب السياسية والتفرد بالقرار فقط بل هناك عدم قناعة بالعملية برمتها ويكاد يكون خطاب السياسيين السنة وشيوخ العشائر والنخب متشابه وهو عودة الحكم السابق و أيام العهود السابقة وعدم الاعتراف بحكم الأغلبية حسب الديمقراطية، فلا تغيير المالكي ولا وجود وزير للداخلية أو الدفاع كلها مبررات للهدف الأكبر فماذا يفعل بديل المالكي أكثر مما فعله إلا إذا نفذ حكم الطوارئ أي قتل المجرم بالشارع بدون محاكمة كما فعلت مصر حاليا بعد فض اعتصامات الإخوان، فربما الذي يعتقل يهرب من السجن للعودة مرة ثانية للقتل كما حدث مؤخرا في سجن أبو غريب والتاجي، لذلك فان لسان حالهم يقول (أعطونا حكما نعطيكم أمانا) لذلك فوضع أيديهم بيد القاعدة واستهداف الأبرياء من الناس في الأسواق والأماكن العامة وهي أهداف سهلة وليس فيها شجاعة في المدن الشيعية ما هي إلا مقدمات لحرب طائفية يخسر فيها الجميع، فالحل الوحيد للازمة العراقية المزمنة هو بناء دولة المواطنة العصرية الديمقراطية بوجود أحزاب وشخصيات عابرة للاثنيات والطوائف كل همها الوطن وكيفية بنائه، التي تعامل جميع مواطنيها بالتساوي في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز بينهم بسبب العرق أو الدين أو المذهب،فيكون الدين لله والوطن للجميع، وهذا يتطلب التضحية من الجانبين وعدم الامتثال للأجندات الخارجية وعدم قبول الأموال التي تخرب البلد، فعلى الشيعة الوثوق بالسني حتى وان تسنم منصب رئيس الوزراء إذا كان عادلا وكفؤا ومهنيا والسنة بنفس المنوال كما فعل نلسن مانديلا عندما عفى عن جلاده وشارك في الحكم من وضعه في السجن ، وإلا سوف تعم الفوضى وعدم الاستقرار.
https://telegram.me/buratha