المقالات

العراق ماذا والى أين ؟ (الحلقة الاولى)

477 09:26:00 2013-08-20

محمود شاكر شبلي

أن الأزدهار الحضاري لأي أمة لا يقوم على جمع أجزاءا مبعثرة ومفككة أو ملفقة من اجزاء الحضارة؛ بل هو جوهر متكامل ومتداخل ينتظم سوية ليحقق حالة من التوافق الفريد الذي يقود الناس والبلدان الى الرقي والسمو ويجعلها على رأس سلّم التطور ترنو لها أبصار الاخرين وترفل هي بالسعادة والهناء. أما الانحطاط الحضاري فهو نتاج الضربات المتطرفة وصنيعة أيدي الفاسدين المختبئين جيدا بين جنبات الصالحين..

أن ما نشهده هذه الايام من تفاقم للأرهاب وتعاظم للجريمة وتغلغل للفساد وسوء في الادارة قد ساهم بأنحطاط بلدنا العراق على جميع المستويات وبالتالي فأنه قد أصبح يصنّف (ونقولها بمرارة ) ضمن دول العالم المنهارة أقتصاديا وأجتماعيا والتي تطلق عليها تسمية دول العالم الرابع بعد أن كنّا نمني النفس بأن ينضم بلدنا الى دول العالم الثاني وحتى الاول بعد أن كان من دول العالم الثالث بحكم الثروات المعدنية الهائلة والثروات البشرية والعقول المبدعة التي يمتلكها..أن مصطلح "العالم الرابع"، كان قد أطلقه العالم الاقتصادي الفرنسي: جوزيف فريزنسكي عام 1960 على الشريحة الاجتماعية التي تعيش تحت خط الفقر داخل المجتمعات الغنية في البلدان الرأسمالية المتقدمة بالذات, ولكن ظهور الدول التي تعاني من الحروب الأهلية،وشيوع الإرهاب، والفساد علاوة على الفقر ، الذي أدى الى انهيار قيم المواطنة، وتفكّك تلاحم النسيج الأجتماعي.. كلّ ذلك أدى إلى قيام المفكرين بشمول تلك الدول بمصطلح دول"العالم الرابع.وكمثال على دول "العالم الرابع"، يمكننا هنا ذكر دول عدّة في آسيا وإفريقيا، غارقة في الفقر والجوع والحروب الأهلية المستدامة، مثل الصومال ونيجيريا وبنين وأفغانستان وناميبيا وأريتريا وجنوب السودن ونستطيع أن نضيف اليها ( وبلا فخر) العراق بعد أن كان يصنف في السبعينات من القرن المنصرم من دول العالم الثالث والتي تسعى بقوة للقفز الى مستوى أعلى .

ولنحاول أن نشخّص أولا ماذا حلّ بالعراق لينحدر بهذا الشكل المخيف .. وكيف أننا لم نستفد من المنجز التاريخي الهائل الذي قّدم الينا على طبق من ذهب وهو أزاحة حكم البعث الفاشي بدون تضحيات كبيرة..؟!!من المؤكد أن بعض من أسوأ مامر به العراق منذ مئات السنين هو ما شهدناه أيام حكم الطاغية من ظلم وتقتيل ومقابر جماعية وغازات سامة وأذلال وأنتهاك للأعراض وحروب ورشى وأزمات. ومن المؤكد أيضا أن ما نشهده اليوم من أغتيالات ومفخخات وفساد أداري وتردي أخلاق وذمم هو تكملة معتبرة لفساد عهد البعث وحصاد لما زرعه الحكام الجائرين وترجمة مؤثرة لما طرأ على الاسلام من أفكار مسمومة باسم السلفية والجهادية والتكفيرية والوهابية وغيرها من الافكار الخبيثة التي أوجدت شرخا واسعا بين طوائف المسلمين وتوترا ونفورا مذهبيا بعد أن كاد المسلمون جميعا أن يذوبوا بكل طوائفهم ومذاهبهم في بوتقة واحدة ويصبحوا يدا واحدة في مواجهة أعدائهم وفكرا واحدا لمواجهة تحدياتهم. الأرهاب بهيمة هوجاء قادرة على المناورة:قبل الدخول في الموضوع الاساس لابد أن نعرف أن الأرهاب والفساد في بلدنا يمتلك قدرة نادرة على الحركة والمناورة بسبب الاختراق الفاضح والملموس جدا للأجهزة الامنية ومفاصل الدولة و النخب السياسية والاجتماعية من قبل الجماعات الارهابية وعصابات الجريمة وأساطين الفساد بالاضافة الى ضعف حصانة الاشخاص المغرر بهم وتخاذلهم الشديد أمام أغراء المال.أن الأرهاب الأعمى قد أستطاع الوصول الى هذه الدرجة من المناورة من خلال التغرير بالكثيرين من أبناءنا في الأجهزة الامنية وفي بعض مفاصل الدولة عن طريق أشخاص مدربين جيدا ومعبئين بالقيم الطائفية الفاسدة و بالمال السحت لغرض الوصول الى ماّربه الخبيثة مستغلا حالة الضعف الامني والفوضى السياسية والانحدار القيمي التي يمر بها بلدنا ومجتمعنا , بعد أن كان عزيزا عليه التغرير بالقليل..فمن يتصور أن يكون نائب رئيس الجمهورية أرهابيا متورطا بقتل الكثيرين من أبناء جمهوريته التي ينوب عن رئيسها .. ومن يعقل أن نوابا في البرلمان العراقي ذوو ألسنة سليطة ,هم أرهابيون يديرون الة الموت التي لاتتوقف ولم تتوقف منذ عشرة سنوات..ومن يتخيل أن رجال دين مسلمين قد تلطخت أيديهم بدماء أخوتهم وجيرانهم ومواطنيهم ..وهم يدعون أيضا من على منابرهم دعوات تظليلية هدفها دفع الناس للأحتراب الأهلي والترويج للتفرقة القومية والمذهبية. كل أولئك قادوا أبنائنا للوقوع في فخاخ الارهاب الملعونة وسببوا لنا أذى تاريخيا وأنتكاسا اجتماعيا وأخلاقيا لا مثيل له عبر تاريخنا الطويل. وقد صدق من قال بأن الفيَلة لا يقودها إلى سجن الصياد الماكر إلا فيلٌ عميلٌ أتقن تدريبه ؛ ليتسلل بين القطيع ؛ فيألفه القطيع ؛ لأن جلده مثل جلدهم ، ويسمعوا له ؛ لأن صوته يشبه صوتهم ؛ فيتمكن من التغرير بهم ، وسوقهم إلى حظيرة الصياد..

إنها لفجيعة تاريخية كبرى، أن يضيع هذا المنجز بهذا الشكل المريع وأن نسمح لعصابات حقيرة بالعمل على أضاعة مستقبلنا ..كل ذلك بسبب تعصب مذهبي مقيت وحب للتحكم بالاخرين.. ولانستطيع طبعا أن نلوم أحدا بعينه عن السبب..فالمسببات كثيرة سواء كانت سياسية أو أجتماعية أو مذهبية , ولكن بوجه عام فأن الازمة أبتدأت مع تفاقم الظلم والفساد في العراق في العقود الاخيرة حيث أن نظام البعث ورأسه صدام كان على أهبة الاستعداد دائما لذبح مئات الألوف من عامة الناس ومن كوادر البلد العلمية والمهنية والسياسية ومن خيرة مفكريه وأدبائه وكتابه وشعرائه, وحتى أن أنصاره ومؤازريه لم يسلموا من بطشه .. ليس الا ارضاءا لنزواته أو انتقاما من فئة قرأ ما في نفسها من أمتعاض أو قرية تململت من ظلمه ..ثم حرب ضروس استمرت ثماني سنوات وإريقت فيها دماء الملايين,حتى لحقت بها حرب احتلال الكويت وما صار اليه الحال ,ثم تلتها حرب تحرير الكويت بالأضافة الى الازمة الاقتصادية الخانقة لفترة التسعينات . وكان في ذلك دمار أشد للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للدولة العراقية,وقد ساد انذاك مناخ من اليأس والقنوط والإحباط ارتبط بفقدان الأهل والإخوة والأقارب في الحروب وتصدع العائلة والمدينة والقرية والحي والحارة والجار بتأثير شدة الفقر والحاجة,إضافة إلى التصدعات القيمية والأخلاقية العامة كمحصلة لهذا كله. كل هذا سبب أنكفاءا أجتماعيا وتراجعا كبيرا في السلوك الحضاري للمواطن وما نتج عنه من عدم الايمان بقيم المواطنه ومن ثم أنتعاشا للفساد والجريمة العادية والمنظمة . !!!!.ثم أتت فترة ما بعد سقوط الصنم عام 2003 حيث شيوع وانتشار التنظيمات السياسية الطائفية وشبه الطائفية وما ادت اليه من صراعات سياسية ثم أجتماعية .ومن بعدها نشاط التنظيمات الارهابية التي سببت تدميرا وانحطاطا رهيبا لما تبقى.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك