سياسة "اللعب بالنار" التي اعتمدتها حكومة حزب "العدالة والتنمية" في تركيا انتهت إلى وصول النار إلى أطراف أصابع المسؤولين عنها مع انفجار أكثر من ملف بوجه هؤلاء، وبدء الانعكاسات السلبية على تركيا ودورها المتراجع في المنطقة.
فشلت السياسات التركية في سورية ومصر وتونس، وتقلص الانتشار السياسي– والتجاري– التركي في بلدان ما يسمى من قبلهم "الربيع العربي"، الوضع المصري انفلت من يد الأتراك مع رحيل "الإخوان المسلمين" عن السلطة، ويبدو أن تونس تسير على المنوال نفسه، أما سورية فقد استنزفت الموارد التي كانت تستهلكها أنقرة في حلب، فيما عيونها شاخصة الآن باتجاه النفط في المنطقة الكردية.
أما الأخطر، وفق تقييم معارضين أتراك، فهو أن الملف الأمني قد انفجر بوجه أردوغان وفريقه، حيث تحولت الحدود السورية إلى مسرح لأكبر عمليات التهريب، إذ تعمل عبرها عصابات منظمة نشأت برعاية الاستخبارات ثم بدأت بالتمرد عليها، ولعل اللافت كان الأسبوع الماضي حين اشتبكت قوة الدرك التركية مع ثلاثة آلاف "مهرب" دفعة واحدة وفق بيان رسمي صدر عن السلطات التركية، واللافت أن هؤلاء لم يخافوا من القبض عليهم، بل واجهوا الوحدات التركية بالقوة، وحسب المعلومات التي وردت من قيادة الأركان التركية بأنه يوجد عشرات الآلاف من المهربين يصولون ويجولون بكل حرية بين الحدود مع سورية، وقد اعتقل في الـ50 يوماً الماضية 16 ألف منهم! كما قالت صحيفة "ملليت" الموالية، أما صحيفة "جمهوريت" المعارضة، فقد كشفت "حقيقة من يقف وراء التهريب على الحدود "جبهة النصرة"، وقالت الصحيفة إن السلطات التركية أخلت لهؤلاء أهم نقطتين للمراقبة في بلدتي "كوشاكلي" و"يلانكوز" على الحدود، وفي الطرف الآخر من الحدود أقامت "جبهة النصرة" خيمتين للجمارك تقوم بجمركة ما يمر من تركيا عن طريق المهربين إلى سورية وبهذا تدر أموالاً طائلة من الجمارك، مقابل قبول النصرة بمساعدة الأتراك في "تركيع" الأكراد وتخويفهم لجرهم إلى أحضانها.
ولا يبدو تغلغل التنظيمات التكفيرية في تركيا أمراً عابراً، فهؤلاء يعملون على ما يظهر على إنشاء قواعد خلفية لهم، حيث تمر أخبار كشف الخلايا التابعة للقاعدة في عمق تركيا عبر وسائل الإعلام بشكل دوري، آخرها كان اكتشاف قتلة كاهن سوري موجودون في مدينة قونيا، مسقط رأس وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.
وكشفت مصادر تركية بارزة أن "وكالة الاستخبارات الأميركية حذرت بشكل رسمي من نشاط للسعودي إبراهيم حسن طالع العسيري، هو أهم خبير وصانع متفجرات في القاعدة مسؤول عن تفجيرات 2009 في السعودية، إلى جانب تفجيرات ديترويت 2009 واليمن 2010 ودبي وإنكلترا، يعمل في تركيا، وأن 5 من انتحاريي "القاعدة" دخلوا الأراضي التركية، ومن المتوقع أن يقوموا بتفجيرات في اسطنبول أو أنقرة تستهدف المنشآت الأميركية والغربية".
وإذ أتى خطف الطيارين التركيين في بيروت ليرفع من منسوب الانتقادات لتورط الحكومة في الأزمة السورية، فإن انعكاسات كل هذه الملفات بدأت تضرب الحزب الحاكم، وأتى تقرير أعدّه مركز أوراسيا جلوبال للأبحاث انتقد تعامل الحكومة التركية مع أزمة متنزه جيزي و"ديمقراطية صندوق الاقتراع" ليزيد من عمق الأزمة.
فالأهم من التقرير، هو أنه أعده المركز الذي يرأسه إدريس بال وهو نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي خلص إلى إنه تم إعطاء معلومات مضللة لأردوغان خلال الاحتجاجات الخاصة بمتنزه جيزي، وأنه لم يتم التعامل مع مشروع إعادة التطوير بطريقة ديمقراطية، وقال التقرير الذي حمل عنوان "تحليل حوادث تقسيم"، إنه لو كان قد تم تطبيق الأساليب الديمقراطية من البداية، ما كانت المشكلة قد ظهرت، وانتقد التقرير "ديمقراطية صندوق الاقتراع"، قائلاً إن الفوز في الانتخابات لا يعني أن تتمتع الحكومات بسلطات مطلقة وتدعي "ترف التصرف كما يحلو لها حتى الانتخابات المقبلة".
وكشف هذا التقرير النقاب عن أزمة داخلية بسبب قرب هذا المركز، والنائب بال، من رئيس الجمهورية عبدالله غل، الذي تتحدث التقارير عن خلافات قوية تفرقه عن أردوغان، يشاركه في هذا الرأي نائب رئيس الوزراء بولند أرينج، علماً أن جماعة "فتح الله كولن" قد نأت بنفسها عن أردوغان، وبدأت بتوجيه الانتقادات إلى سياسته.. فهل يفجر الخلاف الحزب الحاكم؟ الجواب قد يحمله المستقبل القريب؟!.
33/5/13822
https://telegram.me/buratha