عادل الجبوري
وهم يتابعون بقلق وتوجس الاخبار المتسارعة والمتفاعلة عن قرب توجيه الولايات المتحدة الاميركية ضربات عسكرية لسوريا، يتوقف العراقيون عند امرين، احدهما من الماضي، والاخر يندرج في عداد المستقبل.اما الذي هو من الماضي، فهو الحملات العسكرية للولايات المتحدة الاميركية على بلادهم، سواء تلك التي حدثت في بدايات عام 1991، وكان الهدف منها تحرير دولة الكويت من غزو نظام صدام لها، او تلك التي حدثت في ربيع عام 2003، وكان الهدف منها الاطاحة بنظام صدام، وبين الحملات الاولى والحملات الثانية، ومابعدهما شهد العراق اوضاعا صعبة ومأساوية، تداخلت العوامل والظروف المسببة لها، بيد ان واشنطن مثلت العامل الابرز والاكبر فيها، جراء سياساتها ومنهجياتها الخاطئة، وحساباتها الخاصة، وسلوكياتها المتهورة.واذا كان اسقاط نظام صدام مطلبا عراقيا-جماهيريا، ومطلبا اقليميا، ومطلبا دوليا، فأنه كان بالامكان تحقيق ذلك الهدف بقدر اقل بكثير من الخسائر والاستحقاقات التي مازال العراقيون يدفعون اثمانها، والمشهد العراقي العام الحافل بالدماء كل يوم لاينفصل بأي حال من الاحوال عن المقدمات الخاطئة.واما الذي يندرج في عداد المستقبل، فيمثله التساؤل التالي، ماهي انعكاسات التدخلات العسكرية الخارجية في سوريا على الوضع العراقي؟.ولعل طرح التساؤل الانف الذكر، لايراد من ورائه الحصول على اجابات، بل هو بحد ذاته يحمل بين طياته الكثير من الاجابات.ولاشك ان الطريقة التي تدخلت فيها الولايات المتحدة في العراق وقبله بأفغانستان، مثلت معالجة الخطأ بالخطأ، وابلغ دليل على ذلك هو ان موجات الارهاب اتسعت في عموم المنطقة، استتبعها تراجع الامن والاستقرار الى حد كبير، وغياب الظروف والمناخات الملائمة لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وتزايد الشد الطائفي-المذهبي الى حد كبير، ناهيك عن تكريس الوجود العسكري والمخابراتي الاميركي في المنطقة بدرجة اكبر مما كان عليها في السابق.وطبيعي ان الحال في التدخل العسكري في سوريا، واعتباره الخيار الاول والاخير، واسقاط الخيارات الاخرى الاكثر واقعية وعملانية من الحسابات، سيخلق مزيدا من الازمات والكوارث، والعراق سيكون اكثر واكبر المتضررين. ومجمل القراءات العراقية تؤكد هذه الحقيقة، فرئيس الوزراء العراقي، اعتبر ان التدخل العسكري في سوريا غير موفق، وستترتب عليها نتائج وخيمة.. ويعتبر "ان تدخلا عسكريا في اي بلد يدمره، وان التجربة الليبية لا تزال تثير قلقا، وكذلك فأن العراق مر بتجربة لا يريد للشعب السوري أن يعاني مثلها".ويشير المالكي الى "ان المباديء العراقية تعارض الحصار أو التدخل العسكري، ومع الجامعة العربية والمبادرة والحرية والديمقراطية واجراء الانتخابات، وان الحكومة السورية والمعارضة قبلتا هذه المبادئ".ولعل قرع طبول الحرب على سوريا يعد مؤشرا خطيرا، يخرج الصراع في هذا البلد من كونه يمثل حراكا شعيا صرفا او صراعا بين المواطنين ونظامهم، الى جعل سوريا ساحة لمعارك وصراعات اقليمية ودولية. هذا مايراه رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم. ويعتبر الحكيم "ان استخدام السلاح الكيمياوي أفضل الذرائع للتدخل في سوريا"، ويتساءل عن "سبب استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي وهي يعرف أن استخدامه انتحار سياسي وقد صمد منذ سنتين واستطاع إن يحسن من واقعه على الأرض؟".. وهو سؤال منطقي يثير الكثير من علامات التعجب، مشيرا إلى أن النظام السوري يتأثر بقوى إقليمية ودولية كبيرة في العالم وقرار انتحاره السياسي لا يخصه وحده بعيدا عن تلك القوى في رد على القائلين بان الأنظمة الشمولية لا تتصرف بطريقة منطقية في الغالب.ويحذر رئيس المجلس الاعلى من الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة في انتقال المنطقة إلى مستوى جديد، مجددا الحديث عن خارطة جديدة للشرق الأوسط التي بدأت تتشكل والتحالفات الجديدة فيها، وشرورة ان يكون للعراق مواقف واضحة حيال ذلك على صعيد القول والفعلوبشأن ابعاد واثار استخدام السلاح الكيمياوي، يؤكد ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي "رفضه استعمال السلاح الكيمياوي ضد الشعب السوري من أي جهة كانت"، مطالبا الولايات المتحدة الأميركية وأعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي، أن يضعوا بالحسبان إمكانية تأثر العراق بما يجري في سوريا، لوجود ارتباط بين الإرهابيين داخله وأولئك الموجودين هناك، ولأن أي عمل عسكري ضد نظام الأسد سيؤذي العراق.ويربط الكثيرون بين العمليات الارهابية الاخيرة التي وقعت في العراق مؤخرا، لاسيما تلك التي ضربت العاصمة بغداد يوم امس الاربعاء، وتفاعلات الاحداث في سوريا، اذ يقول النائب عن التحالف الوطني حيدر الحلي "ان هناك ارتباطاً واضحاً بين التفجيرات التي حدثت في بغداد، وما يحصل من أعمال إرهابية في سوريا، حيث ان المجاميع الإرهابية تريد فرض سيطرتها على العراق وسوريا من خلال هذه الأعمال، وان قسما من قيادات مايسمى بدولة الشام الإسلامية وجبهة النصرة، كانت مسجونة لدى الأميركيين في معسكرات سجن بوكا، قبل إطلاق سراحها، واولئك القياديين هم أنفسهم من قاموا اليوم بالتفجيرات الإرهابية" .ومن دون شك ان فأن اعلان حالة الاستنفار القصوى في العراق من قبل رئيس الوزراء يعكس حجم القلق من تأزم الاوضاع في سوريا في حال لجأت واشنطن الى استخدام القوة العسكرية ضدها، والقول بأن الخيار العسكري سوف يؤدي الى طريق مسدود، قول واقعي ومنطقي بالكامل. واكثر من ذلك فأن اللجوء الى القوة العسكرية ضد سوريا سيكون بداية لاحكام السيطرة الاميركية وحماية مصالح الكيان الصهيوني، وهذا مايراه التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، حيث يشير عضو البرلمان العراقي عن كتلة الاحرار الصدرية حسين الشريفي الى "ان توجيه ضربة عسكرية الى سورية أمر مستهجن ومرفوض، وان الاعتداء عليها بداية للسيطرة على المنطقة باكملها وحماية مصالح اسرائيل"، مؤكدا "ان كتلة الاحرار ترفض التدخل العسكري في الشأن السوري، والارهاب اليوم بسبب وجود الحاضن الامريكي له ولذلك يعتبران-اميركا والارهاب-وجهان لعملة واحدة".وكان عدد من اعضاء التيار الصدري قد عقدوا مؤتمرا صحفيا في محافظة النجف الاشرف يوم الاربعاء الماضي، اعلنوا فيه "ان التدخل العسكري الامريكي اذا ما حصل في سوريا فأنه يعد استهدافا للعراق واستهدافا للمنطقة بأسرها"، ودعا اعضاء التيار الصدري ابناء الشعب العراقي كافة الى الخروج بتظاهرات في عموم محافظات البلاد لاستنكار هذا التدخل.ولاتبتعد كتل وكيانات وشخصيات سياسية عديدة في مواقفها عن المواقف المشارب اليها، فالنائب عن القائمة العراقية قيس الشذر يرى "ان التدخل العسكري المحتمل في سورية، اذا ماتحقق فإنه سيعكس تداعيات كثيرة وخطيرة على المنطقة، واننا نرفض أي عمل مسلح في سورية يذهب ضحيته المواطنين الابرياء العالقين بين المتحاربين، سواء كان من جانب النظام او المعارضة".وكان وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل قد اعلن يوم الثلاثاء الماضي، عن استعداد بلاده لضرب سوريا اذا صدر قرار من الرئيس باراك اوباما بهذا الخصوص.وفي الوقت الذي تتحدث اوساط عديدة عن قرب وقوع الضربة العسكرية الاميركية لسوريا، تزداد حدة الاستقطابات والمواقف بين اعضاء مجلس الامن الدولي، لاسيما الخمسة الدائمين، وهذا ما يعقد الموقف الاميركي، ويجعل اتخاذ قرار استخدام القوة العسكرية والشروع به، امرا ينطوي على الكثير من المخاطر والتبعات والاستحقاقات السلبية على الجميع دون استثناء.
https://telegram.me/buratha