حافظ آل بشارة
العدل الالهي يقتضي ان تأخذ كل أمة استحقاقها ، ويصنع كل شعب مصيره بنفسه ، ولا يمكن ان يظلم الله أحدا ، فهو مصدر العدل في الوجود ، ذلك واضح من قوله تعالى :(ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد) ال عمران (182) . وقوله تعالى : (من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت (46) . وقوله تعالى : ( ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد) قاف (29) . وفي ساحة الصراع التأريخي يستمر التدافع بين الامم ، امة تحلق الى القمة وأمة تتدحرج الى الحضيض ، أمة تتألق لتكون سيدة العالم ، وأمة تتهاوى الى مستنقع العبودية ، وقد ثبت ان الاطار الاخلاقي للمجتمع هو الذي يصنع هوية الامم ، المجتمع الذي يتحلى بمكارم الاخلاق والثلاثي الاكبر (الشجاعة والحلم ، العلم والحكمة ، الاعتدال والعفة) التي تنتج الصدق والامانة والكرم والايثار والوفاء والحياء والتسامح والتعايش والرحمة ، فتظهر الأمة المتفوقة (كنتم خير امه اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون) آل عمران (110). والغريب في الأمر ان كثيرا من شعوب الغرب الكافرة تعيش هذه الفضائل الاخلاقية ، التي جعلت منها امما متفوقة ، وجعلت ساستها يعتقدون ان الشعوب المتخلفة خلقت كخدم لهم ! لانها شعوب لا تستطيع ان تدير شؤونها او تحكم نفسها وهي بحاجة الى وصاية ، بنظرهم ان الامم المتخلفة اذا منحت حق الحكم فانها تنقسم فورا الى جلادين وعبيد ، الجلادون هم الحكام المصابون بداء العظمة والتكبر والغرور والعجب واحتقار الشعوب والوحشية والسادية وحب العنف والشراهة في تعاطي الشهوات حد الجنون والتلذذ باذلال الآخرين ، ومع ان الحكام قلة لكنهم يتحولون الى قوة قاهرة لأن الشعوب التي يحكمونها كمية بلا نوعية ، شعوب فقدت مكارم الاخلاق تعاني الجبن والجهل والدناءة وفقدان المروءة ، وفي الحديث الشريف : (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق تداعي الأكلة على قصعتها ، قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال : أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن ، قال : قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت ) . حيث يتشكل مجتمع العبيد بسبب ظهور انحراف عقيدي طفيف في بدايته لكنه يقود الى تسلط الطواغيت مدة طويلة على الشعب ، فينشأ جيل او أكثر من المجتمع العبودي الذي من صفاته : تفكك الاواصر الاجتماعية بين الناس ، فقدان الثقة بينهم ، فقدان روح التضحية والمقاومة ، نمو عقدة احتقار الذات ، فقدان الارادة ، عدم الاعتزاز بالكرامة ، التملق للحاكمين وازلامهم ، التملق لاصحاب السلطة والجاه ، التكبر على المستضعفين ، حيث يحاول الاذلاء اذلال المستضعفين تقليدا للطواغيت ، انقلاب المعايير الاخلاقية ، فالمجتمع العبودي يحترم ظالميه ويحتقر من يرحمه ، يحترم القتلة واللصوص والسقطة ويحتقر العلماء والمفكرين والمؤمنين ، ثم ينحدر نحو الاسوأ ، تنقلب الموازين ، فترى ان المجتمع الذليل لا يريد الاحترام بل يقابل الاحترام بالاحتقار ، والذي يحترم افرادا من هذا النوع سيقابلونه بالاحتقار والاهانة ويعتبرونه مستضعفا ، فالقوي المحترم عندهم هو الطاغية الذي يجبرهم على الخضوع ، وقيل في الحكمة : (اذا اكرمت أحدا بما لا يستحق فتوقع ان يضعك دون ما تستحق) ومعنى ذلك انك اذا احترمت من لا يستحق الاحترام فقد يهينك . هذه معايير ممتازة لمعرفة استحقاق الامم ، وهل تستحق التحرر ؟ ربما تعطي الحرية لأمة مستعبدة لا تستحق الحرية فتصبح الحرية خطرا على استمرار الحياة وهنا تقتضي العدالة الالهية ان تستمر العبودية لانها الاصلح ، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
https://telegram.me/buratha