محمد الحسن
الأغلبية السياسية, خيار برز بعد الأزمات المتتالية التي أضعفت البنية السياسية والأجتماعية للدولة, ولعل دعاة هذا النهج يحتجّون بنتائج تقسيم السلطات بطريقة "المحاصصة", سيما إن هذا المفهوم(المحاصصة) رافق العملية السياسة منذ مؤتمر لندن, ويبدو أن الدور الكبير لعبه الإعلام الموجه للتشكيك بتلك العملية كونها نادت بحقوق الشرائح المهمشة.أحد المعاني المهمة "للديمقراطية" هو حكم الإغلبية, بيد إن الأهم من هذا هو تحقق هذا المعنى بطريقة سياسية غير مرتكزة على طائفة أو عرق. أن الأكثرية الأجتماعية لا تعكس بالضرورة هوية الحاكم, ففي كيان أختار نظاماً مدنياً قائم على الديمقراطية يفترض أن تذوب الهويات الثانوية برؤية جامعة لتُشكل هوية وطنية تؤطّر الدولة وفق شكلها المرسوم دستورياً.تبنى السيد المالكي, مبدأ الغالبية بعد عمليات فرض القانون التي قيّدت نشاط الجماعات الإرهابية, فصار توجه الشارع نحو المطالبة بالقضاء على المشكال الأخرى من بطالة وخدمات وغيرها, وتأخذ مطالبة "رئيس الحكومة" شكلاً تصاعدياً مع حدوث أي مشكلة أو خرق أمني وكأنه يعطي رسالة مفادها "أن الشركاء معِطلون"!النضج السياسي يعد أساساً حيوياً لأستقرار الدولة ونظامها, ولا نصل إلى هذه المرحلة بمجرد قيام مؤسسات شكلية لا تحمل مضموناً حقيقياً, سيما إن الوعي "الديمقراطي" الجمعي غير مؤهّل لفهم فلسفة الدولة والفصل بينها وبين مؤسساتها, "فالدولة" لا زالت تُختزل بالحكومة بنظر الكثيرين. في تركيبة معقدة كالعراق, الأغلبية السياسية لابد أن تأخذ بالأعتبار التركيبة الأجتماعية والجغرافية, ولا يمكن أخضاعها للعمليات الحسابية البرلمانية.عند قراءة معطيات الواقع نلاحظ عدم أرتكاز دعوة "حكومة الأغلبية" على حقائق ثابتة الأمر الذي يجعلها خطوة تصعيدية فقط, فمن ناحية المشاركة في الأنتخابات لم تتجاوز في أفضل حالاتها لنسبة ال(60%), وهذا يعني أن أي حكومة لا تراعي ضم هذه النسبة بكاملها تكون غير ممثلة إلا ل(20-25%) من الشعب. كما إن النتائج لم تعطي تفوّيضاً لأي كتلة بتشكيل حكومة أغلبية, فالنصف زائد واحد مفقود, ولا أدري كيف يتغلب هذا الخيار وسط رفض أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان له؟!المعطى الآخر تكشفه طبيعة الأزمات وأطرافها, حيث أن مركزها هو السيد المالكي وأطرافها (كردية- سنية) من جهة وبعض القوى الشيعية من جهة أخرى, "الجغرافية السياسية" لتلك الأطراف تعني عدم تمثيل أي حكومة أغلبية (بالشكل المطروح من قبل دولة القانون) لأكثر من نصف مساحة العراق, ويعد هذا الأمر غياب للدور الحكومي في تلك المناطق بينما تنشط الجماعات المتطرفة والتكفيرية والتي قد تجد البيئة الملائمة لطرح نفسها ومشروعها كبديل عن الدولة.
لا شك أن طريقة ترشيح الوزراء وتقسيم المناصب الحكومية وغيرها من المواقع التنفيذية والتشريعية والهيئات المستقلة وفق صيغة "المشاركة" أو "الوحدة الوطنية", عرّض الدولة للترهل وإضعاف الدور الرقابي الذي ولّد تبعات سلبية تنتج معيار خاطئ في تولي تلك المناصب. لذا بات مهماً إيجاد صيغة أخرى, وقد طرحت بعض الكتل السياسية مشروع "شراكة الأغلبية", حيث أن هذه الصيغة قادرة على توفير الأرضية المناسبة لنمو النطام الديمقراطي أضافة إلى كسر الجمود السياسي وخلق حالة من الإندكاك المجتمعي, فالمجتمع هو الذي يقرر خارطة التحالفات المشكّلة للحكومة, فما يفرزه الشارع السني يكون خياراً لدى الأغلبية السياسية الشيعية وكذلك الحال بالنسبة للكرد, سيفرز هذا السيناريو توليفية حكومية تعبّر عن خارطة العراق تقابلها معارضة نيابية تضم ذات الخارطة.الأساس الذي يجب أن تستند عليه هذه العملية, هو تحقيق مصالحة حقيقية تؤدي لتصفير جميع المشاكل وعزلها عن بعضها برؤية وطنية حريصة على صناعة الأستقرار.
https://telegram.me/buratha