في إجابة لسماحة الشيخ جلال الدين الصغيرعلى سؤال لأحد الأخوة عبر صفحته عبر شبكة التواصل الأجتماعي (الفيسبوك) عن: لماذا خطاب المجلس الأعلى مع أهل السنة خطاب رومانسي يتسم بالخضوع والخنوع لهم؟
أشار موقع سماحته الرسمي على الفيسبوك الى السائل الأخ نوفل عباس مايلي:
اخي نوفل عباس حياكم الله:
أولا سماحة الشيخ لا يتواجد على الفيسبوك وإن كان يطلع على أسئلة الأخوة وتعليقاتهم
ثانياً: القرارت الأمنية والملف الأمني برمته تابع لرئيس الوزراء ولا علاقة للمجلس الأعلى ولا لغيره بالقرار التنفيذي الأمني ورئيس الوزراء لم يسمح من الناحية الواقعية لأي قوة مشاركته في هذا الملف فهو وزير الدفاع وهو وزير الداخلية وهو وزير الدولة لشؤون الأمن الوطني وهو رئيس جهاز المخابرات بالإضافة إلى كونه القائد العام للقوات المسلحة، وما يجري في الملف الأمني من إنجاز أو فشل إنما يعزى إليه مباشرة، ولذلك إشراك الأخرين معه في الفشل وحصر الإنجاز به فقط هو ظلم كبير ورؤية غير واقعية لما يجري، بل وسذاجة مفرطة
.................................
(جواب سماحة الشيخ جلال الدين الصغير مباشرة)
........................
بالنسبة لخطاب المجلس الأعلى لأهل السنة ووصفك إياه بالرومانسي فناتج من عدم التفكيك بين أمرين مع التحفظ على كلمة الرومانسي، لأن هناك إرهاب ينتسب لأهل السنة وهناك أهل السنة المغلوب على أمرهم من قبل الإرهاب وهم الأغلبية الصامتة، وعدم التفكيك بين الفريقين يؤدي بالفريق المستضعف ان يحتمي بالفريق الإرهابي، بينما العزل ما بين الفريقين يؤدي إلى عزل الإرهاب ويحقق المشاركة بين الجميع، ولذلك هناك خطابين عند المجلس الأعلى أولهما التشدد في مخاطبة الإرهاب وعدم الهوادة معه ومواقفنا شاهدة لنا على ذلك وهو نفس موقف غيري من قيادات المجلس الأعلى قاطبة ولعل خطبة الجمعة الأخيرة توضح هذا الخط بجلاء، والثاني خطاب يتسم بتشجيع الأغلبية الصامتة على ان تمضي بمقاطعتها للإرهاب من خلال حالة المشاركة الوطنية في العملية السياسية.
طبعاً هناك إشكالية لدى بعض المتحمسين من الطرفين هذه الإشكالية هي التعميم على الجميع باللون الواحد والمجلس الأعلى يعتقد أن التعميم لغة مرفوضة، فالخير موجود لدى جميع المكونات والشر أيضا موجود لدى كل المكونات، وفي كل المكونات ضغث من الفساد والظلم والجور، فلا كل الشيعة ملائكة ولا كل السنة شياطين، والعكس صحيح أيضا.
كما وأن هناك إشكالية أخرى يجب أن تحسم لدى من يتأثرون بطبيعة الأحداث المريرة ويجب أن نتحمل مسؤولية القرار في هذا المجال، وتتمثل هذه الإشكالية بهذا السؤال: هل نريد وطنا واحداً يضم شرق العراق وغربه كما شماله وجنوبه؟ أم نريد عراقاً بلون واحد ، فإن أردنا عراقاً بلون واحد لا يوجد لدينا إذن خيار إلا التقسيم وتقطيع العراق على حسب مكوناته، ولا أعتقد أن أحداً يريد هذا الخيار على الأقل وفق ما هو معلن من مواقف سياسية وشعارات مطروحة، وإن كنا نريد عراقا واحداً، فلا سبيل لنا إلا التأسيس لعلاقة تعايش سليمة بين الأطراف كافة، وهذا التعايش لا يتأتى من خلال الخطابات والشعارات، وإنما يتأتى من خلال إعطاء كل ذي حق حقه، وترك الأمور لخيارات الشعب فيما يقدّمه عبر صناديق الاقتراع في تقديم من يريد أن يمثّله، ووفق هذا الخيار وضعت أسس العملية السياسية بدستورها الذي لم يطبق بعد في غالبيته لحد الآن، ونحن لو آمنا بهذه العملية فإننا مجبرون بأن نلتزم بكل ما تفرزه شئنا أم أبينا، ونحن نعتقد أن العيب الذي ينسب الان للعملية السياسية لا علاقة للعملية السياسية بغالبيتها به، وإنما هو نتيجة التحايل على العملية السياسية، ولا يوجد هنا طرف بريء، وأقولها بصراحة، فلا سياسيي الشيعة الذين أمسكوا بمهمة تطبيق الدستور كانوا امناء على ذلك، ولا سياسيي السنة أو الكورد هم كانوا بمصاف الملائكة، فالكل ممن أمسك بدفة الأمور ظل ينطلق من واقع كيف يحافظ على امتيازاته، ولذلك شوهوا العملية السياسية ووأوقفوا العمل بالدستور إلا في القضايا التي يحتاجونه فيها لحفظ مناصبهم وتعزيز امتيازاتهم، عند ذلك فقط نجد للدستور بواكي وأي بواكي؟! ولكن حينما تتعارض عملية حفظ الامتيازات مع الدستور عندئذ نجد الدستور لقيطاً منبوذا يلعن كما تلعن مومسات الليل والنهار.
حينما يكون الوضع بهذه الشاكلة كيف يا ترى يتم حفظ الأمور لكي لا تتردى أكثر غير الخطاب العقلاني الذي يوازن بين الواقع الذي نعيشه وبين ما نراه صحيحاً يجب العمل بموجبه؟ ولهذا كانت مواقفنا والتي قد تحسب متناقضة في صورتها الأولى، ولكن حين النظر إليها من هذا الجانب الذي أشرت إليه، نجدها منسجمة تماماً، فحينما أراد التحالف الكوردي والسني بمعية بعض القوى الشيعية في القائمة العراقية والتيار الصدري إسقاط المالكي رفضنا هذا الموقف ولم نخجل من رفضنا، ذلك رغم أننا أكثر الأطراف تضرراً من المالكي، بل لعلنا الطرف الوحيد الذي ظلمه المالكي ظلماً فادحاً، وموقفنا هذا لا شك أنه ليس حباً بالمالكي ولا لأننا رأيناه هو الإنموذج، بل هو خيار الضرورة المرة ولذلك رفضنا كل العروض السخية التي قدمت لنا في سبيل أن نمضي مع تحالف أربيل عام 2011 ـ 2012 وفي نفس الوقت ومن نفس الرؤية كنا قد رفضنا ان يتولى المالكي تشكيل الحكومة في بدء عملية تشكيل الحكومة، وكنا نشخّص بأن الحكومة التي سيشكلها المالكي وفق طبيعة التوازنات الموجودة حينها ستكون حكومة ازمة لا حكومة حل، وبالرغم من أننا نبزنا وشتمنا كثيراً بأن موقفنا هذا مبني على أننا نريد الحكومة لأنفسنا، وهو أمر فيه إجحاف كبير وظلم أكبر فلقد عرضت علينا الحكومة كرات ومرات قبل ذلك ومن كل اطراف تحالف أربيل ورفضنا، ويومها لم نقبل بالعروض السخية التي تقدم بها نفس المالكي لنا، كما ولم نقبل بالإغراءات التي كان الآخرون يوحون بها إلينا، ولذلك رفضنا اتفاق أربيل عام 2010 الذي عقد بين المالكي وعلاوي والبارزاني والطالباني وطارق الهاشمي ولسنا بنادمين على أي قرار اتخذناه في هذا المجال، ولعل المثال الذي يبين حقيقة الحال باتم وضوح هي ان أحد القوائم الكبرى جاءت وعرضت علينا أن تسدى إلينا رئاسة الوزراء، وسألتنا عماذا نعطيها في مقابل ذلك، فكان جوابنا القاطع: كل الذي نعطيه لكم الدستور والقانون، فضحكوا مستغربين لأن غيرنا أعطاهم أكبر من ذلك بكثير، فقلنا بمنتهى الجد باننا لا نملك غير ذلك فإذا كان غيرنا يملك غير ذلك فخذوا منه ما تريدون، وذهبوا وأعطوا رأيهم للسيد المالكي وما هي إلا أيام حتى علا الصراخ من كل الأطراف فهذا يتهم المالكي بانه لم يعمل بالإتفاق، والسيد المالكي يقول بان الاتفاق يخالف الدستور والقانون!!، وكان ذنب الجميع وعلى رأسهم المالكي أنهم اتفقوا على نقض القانون والدستور حينما وقعوا، وأقول على رأسهم لأنه هو الذي نادى بعد ذلك بمناقضة الإتفاق للدستور والقانون مع علمه المسبق بذلك، وكان ذنبنا أننا خالفنا مناقضة القانون والدستور حينما رفضنا التوقيع، فساقوا العراق إلى واحدة من أشد عهوده الدستورية قسوة ومرارة وظلما واجحافا، ومواطنيهم إلى المزيد من الحرمان والإهمال والإستهانة.
ونحن في الوقت الذي حافظنا فيه على حكومة السيد المالكي لأن سقوطها سيعني الدخول إلى المجهول الذي لا يعلم منتهاه، وكنا على يقين بان حجب الثقة عن حكومة المالكي سيقود إلى تغيير الوضاع نحو الأسوء، ولكننا في نفس الوقت رفضنا بعض سياسات اسيد المالكي بتصعيد المواقف وافتعال الأزمات مع الفرقاء الرسميين من الكورد والسنة، ووجدنا ان الرجوع في كل هذه القضايا للقانون والدستور احجى للعراق، واحفظ لوحدته، وأدعى لأمنه واستقراره، ولكني أقولها بصراحة بأن المناداة بالدستور والقانون يجب ان تكون منهجاً، وليس مجرد تكتيك يعمل به مرة ويترك في أخرى كما هو حال من أؤتمنوا على تنفيذ الدستور وأقسموا على ذلك، ولهذا تشددنا في نفس الوقت مع التصعيد الآخر من الجانب السني والكوردي، ولأن الجميع يعلم اننا لم نستهدف أحداً وإنما استهدفنا بقاء الكل في إطار السياسة العقلانية بعيدا عن التأزيم والتأزيم المضاد، بقي مقر المجلس الأعلى الخيمة الوحيدة التي يجلس فيها الجميع كلما باعدتهم الصروف وفرقتهم السياسات.
من بعد كل ذلك من الطبيعي أن نتجه لسياسة دفع الضرر بعد وقوعه، بعد أن عجزنا عن الحليلولة دون وقوع الضرر، ودخلنا فيما دخل به بقية الناس سعياً أن لا نكون عقبة في مشروع حفظ العملية السياسية، وللأسف كانت توقعاتنا هي الصحيحة فيما كانت الوعود التي قدمها الاخرون والدنيا الخضراء التي تحدثوا عنها أبطال اتفاق أربيل 2010 كلها هواء في شبك، وكم كنا نتمنى لو أن الأمور كانت بخلاف ما نتصور حتى لا يتكبد الشعب كل الآلام التي تكبدها طوال السنوات التي مرت، ولكن ما ذنبنا حينما تخلف الناس عن رؤيتنا وصفقوا لهذا ولذاك، ثم بقوا يعضون يد الندامة ويضرسون من حامض العنب ما كانوا قد حصدوه بأيديهم هم لا بايدي غيرهم.
وبطبيعة الحال فإن المقدمة حينما تكون بهذه الصورة فلا تظن أن النتائج ستخرج عنها وستتخلف عنها وما تشتكي منه تحديداً هو إفراز طبيعي لما سبق أن توقعناه مسبقاً، وأقولها بمرارة إن حسابات الثكلى ليست كحسابات المستأجرة، ومن افتدوا شعبهم بأنفسهم في السابق وبلا أدنى ثمن يرجونه، لا يمكن لهم ان يفرطوا بما ضحوا من أجله في اللاحق لقاء عرض زائل ومنصب زائف، وسنتحمل المشاق الموجودة في هذا الطريق مهما كلفنا ذلك من أثمان، كما تحملناها من قبل دون كلل ولا ملل.
هذا غيض من فيض كثير، أقولها وفي العين اكثر من قذى وفي الحلق أكثر من شجى ولا أملك إلا أن أقول في الخاتمة ما قاله الشاعر:
أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتابع المقال في موقع سماحة الشيخ الرسمي: http://www.sh-alsagheer.com/index.php?show=news&action=article&id=1200
https://telegram.me/buratha