حسين الركابي
ثمة اسئلة تدور في زوايا رأسي، وكادت إن تنسف ما حويته أكثر من ثلاثة عقود، وهو"عمري" وتحاول إن تعيدني إلى نقطة الفراغ الذهني. وفي الوقت الذي تلاشت فيه معظم العهود، والمواثيق، ونقضت فيه الكثير من وثائق الشرف، والمعاهدات، وتهاوت على الارض تشابك الايدي، والصلوات الاعلامية؛ والتي اضحت عادة وليست عبادة، فقد اصبح الشعب سكارى وما هم بسكارى من شدة ما اكتووا به من النيران السياسية. ما الذي يجري اليوم في بلدي يجر كالكبش مذبوحا مصلوبا على كناره الجزار؟ ما ذنب صاحب الشيبة والوقار مرميا على قارعة الطريق مخضب لحيته بشواهد الزمان؟ ما ذنب مخدرة انفض خدرها، وهتك سترها، وصارت شاخصا في سنام الاجيال؟ ما ذنب يافعة خلت ديارها من اهلها، وصارت تجوب الطرقات حاملة شرفها على اكفها بين عديمي الضمير، ومراهقي الحياة؟ ما ذنب صبية يلعبون على مراجيح الطفولة، وغارقين بالأحلام؟ ما ذنب طالبا رأى استاذه تتناثر اشلاءه، وقد صارت الامية اقرب اليه من شهادة الدكتوراه؟ ما ذنب شجرة خلت من الورود، وزقازيق العصافير في الصباح، وتحت ظلها طيور السلام؟ ما ذنب المراجيح التي غابت عنها الابتسامة، وخلت من مداعبيها؟ ما ذنب استاذ لم يجد من يكتب في ذهنه سطرا واحدا أو جملة ينتفع بها؟ ما ذنب بيوت هدمت، ونساء رملت، وشباب قطعت، وكهول اندثرت؟ ما ذنب مدينتي البصرة التي اعطت كل ثمارها، وقوتها لنا اليوم يستكثر عليها إن تسمى ام العراق، ومصدر عيشة؟ ما ذنبنا نحن الذي اجبرنا على إن نشم راحتكم النتنه، ولعابكم المتطاير، ووجوهكم الكالحة التي جعلتنا نطفوا على امواج الوعود الوهمية؟ كل هذا جعلني إن اعيد ذاكرتي، والملم اطراف خارطة انهكتها الايادي الغير متوضئة، ووضعتها كل جزئا على جبلا، وارتب اوراق بلدي الذي اضحى بين انياب الحقد ومخالب المعاندين" العراق" الذي ناخ فيه ركب الحضارات على مر التاريخ، واستقى منه العالم خط الكتابة، والنحت، والصناعة، والزراعة، وهو يمثل سنام العالم العربي، والإسلامي منذ عقود من الزمن؛ وقد ارضع الجميع من مشاربه العلمية، والإنسانية، والأخلاقية، والاقتصادية، وربا العلماء، والمفكرين، والمجاهدين، ولاذ تحت ظله الكثير من اؤلئك الذين اليوم عاكفين في صوامع المسؤوليين..
https://telegram.me/buratha