مضى على ما يجري في سوريا من أحداث أكثر من سنتين ونصف، فقد بدأت الأرض تتحرك منذ آذار عام 2011، وخلال هذا الزمن الذي يبدو قصيرا لدى صناعه، وطويلا للمتأثرين به، حدثت تغيرات كثيرة في المواقف الداخلية والعربية والدولية؛ وبمضي الوقت تشكلت جبهتين واضحتي المعالم، الأولى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي غذت الأحداث، بما يخدم مخططاتها بتعزيز هيمنتها على جزء حيوي من العالم، تقع سوريا في قلبه؛ والثانية تقودها روسيا، الخصم الطبيعي للغرب وأمريكا.
وهكذا فإن الأحداث هناك، ليست شأنا داخليا يمكن التعامل معه بلا مبالاة، أو بمعزل عن العامل الدولي، بل من المتعين أن تتم قراءته وفقا لمعادلات التوازن الدولي الكبرى، وأن يتم النظر بواقعية الى ما يجري في سوريا؛ فالرئيس السوري بشار الأسد، وإن بدا أنه لم يتمكن من السيطرة الكاملة على بلده المنكوب، لكنه طور موقفه بثبات، وبالمقابل لا يتمتع معارضوه بالقوة الكافية للإطاحة به.
بل بالعكس، فقد حقق الأسد انتصارات عسكرية مهمة، وفي الأشهر الماضية وبدعم من حلفائه الإيرانيين والروس ومقاتلي حزب الله، أنتقل من الدفاع الى الهجوم، متحديا الكثير من معارضيه الذين توقعوا يقينا اقتراب سقوطه؛ وأصبح يمسك بزمام المبادأة، والأخبار من سوريا تفيد بأن الجيش السوري الذي كانت الجبهة المضادة تتصور أنه قد أوشك أن يتفكك، أستعاد الكثير من قوته وتشكيلاته.
ونعيد الى الذاكرة أنه في أواخر عام 2012، أي في كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام، صرحت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية، بأن حكومة الأسد تبدو "في مراحلها الأخيرة"، مستشهدة بما فقدته من سيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، وإشارات تعكس تنسيق مقاتلي المعارضة في ما بينهم بشكل أفضل.
لكن لم تمض سوى خمسة أشهر، حتى غيرت وكالة الاستخبارات الألمانية، تقييمها للوضع في سوريا؛ وتعتقد ألمانيا الآن أن المعارضة هي التي تواجه صعوبات خطيرة، إذ تعيقها الصراعات الداخلية، واضطرت إلى التراجع بعد وصول مقاتلي حزب الله، المدربين تدريبا عاليا، والذين شاركوا في الحرب ليس من أجل بقاء الأسد فحسب، بل لأهداف إستراتيجية بعيدة المدى، ترتبط بجوهر الصراع مع الصهيونية؛ ولقد أحدث وجود حزب الله فارقا كبيرا، لأنهم قوة عقائدية حقيقية، فجنود الجيش يمكن أن ينشقوا، فيما مقاتل حزب الله يقاتل حتى آخر رمق..
هذا الواقع نقل الصراع الى مرحلة جديدة، تتمثل بلجوء أعضاء التحالف المضاد للعب على المكشوف، ومع أنه لعب في المساحة الخطرة، لكنه وبتصور العديد من المهتمين بتحليل الوقائع بناءا على خلفياتها، لا إستنادا الى معطياتها أو إفرازاتها؛ فإنه لعب يجري وفقا لأحد سيناريوهات بدائل الإستراتيجية الدولية المهمة، والمتمثل بسيناريو حافة الهاوية، وهو ما يجري الآن من تلويح أمريكي بالقوة وإستعراضها..
الحقيقة أن أمريكا في ورطة، وسوف لن تستخدم القوة للإطاحة بالأسد، وإذا إستخدمتها فإنها ستستخدمها فقط لحفظ ماء وجهها؛ وحتى هذا الإستخدام المشبع بالخيبة والخسارة على المستوي المتوسط والبعيد، تحيطه شكوك الخوف من رد غير متوقع من سوريا وحلفائها..
كلام قبل السلام: أمريكا أعلنت بوجل وخوف عن قائمة بـ 50 هدفا داخل سوريا، وحلفاء سوريا لديهم مئات الأهداف بدءا من مضيق هرمز مرورا بالدوحة في قطر، وإنتهاءا بمفاعل ديمونا الإسرائيلي، وتل أبيب في مرمى صواريخ شهاب 6..!
سلام....
https://telegram.me/buratha