بقلم: د . اياد الجصاني
عندما كنت اعد لاطروحة الدكتوراة زرت السيدة ديكسون وهي زوجة المقيم البريطاني الكولونيل ديكسون في دارتها الصغيرة المتواضعة المبنية من الطين ذلك العصر على كورنيش الخليج في مدينة الكويت من سبعينيات القرن الماضي وكانت سيدة هادئة بشوشة وصلت الى الستين من عمرها ذلك الوقت وهي التي كانت تسكن على ضفاف الخليج . لقد استقبلتني بلطف وحفاوة وحدثتني كيف ان زوجها حضر مؤتمر العقير الذي كتب بالتفصيل عن قصة المؤتمر في كتابه " الكويت وجاراتها " . في ذلك المؤتمر الذي عقد في العقير في ديسمبر من عام 1922 جمع فيه السير بيرسي كوكس المندوب السامي في العراق كلا من ابن سعود والوزير العراقي صبيح بيك والميجر مور المعتمد السياسي في الكويت ممثلا عن الشيخ جابر الاحمد آنذاك جمعهم وادلى عليهم اوامره بالقول : " هذا ما عليكم ان تقبلوا به " بعد ان اخذ بالقلم الاحمر ورسم خطوطا للحدود على رمال خارطة الجزيرة العربية وقسم مناطق محايدة عليها كان النفط هو المخطط لها حسب المصالح البريطانية في المنطقة العربية المحتلة تبعا لحكمة بريطانيا الشهيرة فرق تسد : ( من كتابي : النفط والتطور الاقتصادي والسياسي في الخليج العربي ص 89 المنشور عام 1980).وها هي الاحداث تعيد نفسها زمن هيمنة الامبريالية الامريكية هذا اليوم . ففي مقالة قرأتها في الغاردين البريطانية بالامس للكاتب غاري يونغ بعنوان : " لم يبق من مصداقية للرئيس اوباما في القضية السورية وان كل ما تحدث عن تدخله العسكري اصبح كلاما فارغا ". لقد جذب انتباهي ليس عنوان المقالة فقط وانما ما ذكره الكاتب بكل موضوعية وامانة عندما قال واذكر بايجاز : " ان اتخاذ القرار بتوجيه الضربة العاجلة على سوريا في هذا الوقت قد تحول الى رغبة الكونغرس للتعبير عن قوة الولايات المتحدة الامريكية واخلاقيات الشعب الامريكي وان على هذا الاساس اصبحت تقرع الطبول ولكن المعلوم لدينا ان الراي العام الامريكي وعلى نحو كبير ضد توجيه الضربة على سوريا . ويضيف الكاتب ان الاصرار على ان الحل الصحيح والمطلوب للقضية السورية ان يكون في توجية صواريخ كروز على سوريا سيكون اشبه بتصورات الناس الشحاذين الناتجة من الاحاديث والمقولات المفبركة والخادعة التي نادت بالتدخلات الانسانية في العقود الاخيرة من هذا القرن التي كانت تردد : اولا- ان علينا ان نقوم بعمل ما الان . ثانيا- القاء القنابل . ثالثا- ولهذا وجب علينا ان نقصف بالقنابل . جذور النزاع في المنطقة عميقة ومتشابكة ومسمومة . ان النقاش حول ازمة النظام السوري وموضوع استخدام الاسلحة الكيماوية هو ليس بمثل النقاش حول القاء القنابل وقصف الاراضي السورية . ففي مثل هذا الواقع سوف لن يؤدي الى نهاية النظام السوري بل سيؤدي الى حريق هائل في المنطقة التي ما زالت مشتعلة منذ زمن . وهذا هو الامر الذي ترك الكثيرن بعدم قناعتهم استعمال القوة في الوقت الحاضر ضد سوريا . ان الحل الامثل هو في التاكيد على الضغوط الدبلوماسية وترك المجال امام المفتشين الدوليين لتقديم تقريرهم الى الامم المتحدة مع السير في الوصول الى المحادثات بين الاطراف المتنازعة على الساحة السورية للوصول الى حل للنزاع هو الافضل من كل الخيارات البائسة . حتى هذا اليوم لم ينس الناس الادانات التي وجهوها ضد امريكا التي احتلت العراق وكيف استخدمت امريكا الاسلحة الكيماوية ضد الشعب العراقي في مدينة الفلوجة التي ما زالت حالات الولادة فيها تعاني من ارتفاع في حالات التشوه والاصابة بالسرطانات نتيجة لقصف القوات الامريكية مدينة الفلوجة باليوانيوم المخصب وضرب المقاتلين العراقيين بالفسفور الابيض . ان المضحك في الامر ان الحليف الرئيسي لامريكا في المنطقة وهي اسرائيل تحمل سجلا طويلا من تجاهل قرارات الامم المتحدة كما ان امريكا ترفض ان تكون عضوة في المحكمة الدولية لجرائم الحرب حتى لا تعرض مواطنيها للوقوف امام المحكمة نتيجة لجرائم الحرب التي اقترفوها. وبنفس اليوم تسخر امريكا منا وتتحدث عن القيم الانسانية في الوقت الذي تشن طائراتها الهجوم في اليمن وتقتل ستة اشخاص من شعبها . ومن هنا نستطيع القول ان حديث اوباما عن المصداقية لم ينفع لانه ينبع من اسس مريضة و لم يبق له من مصداقية تذكر. ان ادعاء اوباما بانه سيشن الحرب التي قد تكون الاخيرة في الواقع ان امريكا تشن حربا هي ليس الاخيرة من بين حروبها الاخرى . واذا ما اراد اوباما ان يحقق مصداقيته فليس عن طريق رسم الخطوط للاخرين وتهديدهم باطاعتها ( اي على نفس نهج بيرسي كوكس) بل برسم الخطوط التي سيحتل فيها المكانة التي تؤدي الى احترام جميع الدول لسياسة امريكا الخارجية وان تكون فيها الولايات المتحدة الامريكية الراعية والمحترمة الاولى للقانون الدولي و بالعمل سوية مع بقية دول العالم بدلا من تجاهلها ". .
*عضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا -النمسا
https://telegram.me/buratha