بقلم: د. اياد الجصاني
ركز الكاتب عبد الرحمن الراشد الحديث في مقالته المنشورة بتاريخ 6 سبتمبر في صحيفة الشرق الاوسط تحت عنوان : "هل هي الحرب العالمية الثالثة ؟ " وقال فيها ان بشار الاسد هو المشكلة الوحيدة بعينها . وتجاهل الكاتب معطيات كثيرة لها وزنها في تاجيج الصراع في المنطقة وراح مستخفا بما سيجري من دمار مرعب وشامل في المنطقة حينما كتب قائلا :" سبق للإعلام الرسمي السوري ترويج مقولة أن الهجوم على نظام الأسد سيشعل حربا كونية. طبعا، هذا هراء، فلا إسقاط النظام السوري، ولا شن حرب غربية، ولا رد فعل حلفاء الأسد في أقصى حالاته، يمكن أن يشعل حربا تتجاوز سماء المنطقة. هذا هو واقع سوريا اليوم، لكن لن تتحارب من أجله روسيا والولايات المتحدة، ولن ينجرف الغرب إلى أكثر من عمليات محدودة، وسيسعون جميعا لتطويق النار فلا يخرج رصاصها خارج الحدود السورية ". من الغريب ان نقرأ مثل هذا التحليل احادي النظرة والسطحي للصراع في سوريا والمنطقة العربية . تجاهل الراشد التطرق الى مصالح امريكا في المنطقة ومتطلبات بقاء اسرائيل في امان فيها بعد ان يتم تدمير الجيش السوري المجاور للكيان الصهيوني على غرار تدمير الجيش العراقي كما تشتهي اسرائيل وكاد الجيش المصري ان يلقى نفس المصير. ومن الغريب ان الكاتب يتجاهل ايضا المؤامرة الدولية التي يجري اعدادها و تنفيذها في المنطقة على نحو فاضح . لقد تنكرر الكاتب الى عنوان مقالته ويا ترى ماذا سيقول لنا هذا الكاتب لو انجرت ايران الى المعركة وحزب الله وحماس والعراق فهل سادته في الكيان السعودي والكيانات الخليجية الاخرى ومصالح الغرب فيها ستبقى في امان ؟ ان احتمالات قيام حرب اقليمية وتوسعها الى حرب عالمية ثالثة امر مرجح تماما وغير مستبعد على ضوء سير الاحداث . كما نشرت صحيفة الجوار بتاريخ 4 سبتمبر تصريحا خطيرا للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل تحت عنوان : "الاهداف الامريكية من ضرب سوريا ودور الجماعات التكفيرية والحرب العالمية ليست...!" وهو ما يؤكد كل ما جاء في مقالاتي المتعددة والمنشورة خلال العامين المنصرمين حول الصراع في سوريا واحتمال نشوب حرب كبرى في المنطقة. واختصر ما جاء فيه ولعل كاتبنا الراشد قد اطلع عليه وعرف الحقائق لا كما يراها من منظار سعود الفيصل في تصريحاته العنترية المخجلة ضد سوريا في اجتماع مجلس الجامعة العربية الاخير التي اثبتت موقف السعودية السافر والمنحاز الى جانب امريكا والكيان الصهيوني في المطالبة العلنية دون حياء بشن الحرب على سوريا . ولعل القراء يقيمون الفارق الكبير بين الكاتبين عندما قال هيكل :"الهدف هو حزب الله ، المعادلة بسيطة ، انك ان استطعت ان تدمر هذه القوة لن يبقى للنظام عضدا يستند اليه فتكتمل خارطة سيطرتك على المنطقة والشعوب ، طبعا هذا لا يعني ان صواريخ الكروز ستسقط فقط على لبنان وانما الارضية لقوى الممانعة اليوم توحدت ولا يستبعد انه اذا امتدت الحرب فقد تشمل الاراضي الايرانية بل حتي العراقية بل كل الخليج بل وببساطة كل الشرق الاوسط وربما كثيرا بعد ذلك حرب عالمية ضروس . اليوم اسرائيل مهددة ، وانظمة الخليج ليست في مامن ، ولا يزال يتم اكتشاف النفط بكميات كبيرة في المنطقة سيما على المناطق البحرية المقابلة لفلسطين ولبنان وصولا الى اللاذقية ، انها امور بحسب العقلية الراسمالية تستدعي وصول المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات والغواصات لتعج في البحر المتوسط ولتنطلق شرارة الحرب الكبرى التي بدات بفتنة الشام والتي لن تنتهي ولا يمكن ان تنتهي الا بحرب كبرى مدمرة ستدفع البشرية ثمنا باهظا لها ، وهكذا يمكن ان نسمي المعركة معركة الدول ضد سوريا ، وسوريا ليست سوريا بمساحتها او شعبها بل سوريا هنا تعني الحلف المضاد لامريكا والغرب انها سوريا ايران وحزب الله بالواجهة المدعومة من روسيا والصين. لن اقول احتمالات وسيناريوهات بل هو سيناريو واحد وهو ما ذكرت. لن تكون الضربة محدودة ولن تكون واسعة ، بل هي حرب تبدأ بصاروخ وتنتهي بما لا يقل عن تغيير الشرق الاوسط ان لم نقل النظام العالمي ". فهل قرأ الراشد ما كتبه هيكل ؟كما نشر الكاتب الاستاذ توفيق الدبوس مقالة بعنوان : " مقتضيات " في صحيفة الديار اللندنية بتاريخ 8 سبتمبر حذر فيها من قيام الحرب علقت عليها مخاطبا : ياليت لك صوت في الكونغرس لردع المتجبرين . انك تعرف تماما منذ مارس عام 2011 كيف تبلورت واتضحت لنا ابعاد الصراع الدائر في سوريا من ناحيتيه الاقتصادية والسياسية اولا والطائفية ثانيا . اما عن البعد الاول فهو يهدف الى تطويق روسيا وتضييق الخناق عليها والحد من انتشار نفوذها ونمو مصالحها في منطقة الشرق الاوسط وتقليص اعتماد اوروبا على الغاز الروسي من خلال نقل إمدادات منطقة بحر قزوين مباشرة إلي تركيا وأوروبا. ويتجلى لنا ادراك الرئيس الروسي بوتن لحقيقة المؤامرة وموقفه القوي والمشرف بالامس في مؤتمر الدول العشرين في وجه الغرب الذي تقوده امريكا للمحرقة . اما عن البعد الثاني ففي حقيقة الامر بات يتمثل لنا علانية في الصراع الطائفي الذي ترعاه دول الخليج بقيادة السعودية وقطر الذين يريدون ان يسقطوا ما كان يسمونه بالهلال الشيعي الممتد من ايران الى العراق وسوريا وحزب الله في لبنان. ان الصراع على تغيير السلطة في سوريا اصبح امرا معروفا للجميع الا وهو تدمير المشروع النووي الايراني وتحطيم حلقة الوصل السورية ما بين ايران والعراق ولبنان وبناء الهلال السني من كوردستان العراق وتركيا وسوريا والاردن والسعودية بعد رحيل بشار الاسد وطائفته العلوية . ومن بعدها الالتفاف على العراق والبدء من جديد لتدمير ما تم تحقيقه من استقرار هامشي ونظام ديموقراطي صوري فيه ولنا فيما يجري من مسلسل التفجيرات الدموية اليومية على الساحة العراقية خير دليل على ذلك ومن بعدها اضعاف وعزل ايران عن المنطقة تماما. كما ان المؤشرات كثيرة تدلل على ذلك فوق مسرح الاحداث كل يوم في المنطقة . هستيريا اوباما في شن الحرب على سوريا اليوم هي ليست الدولة الوحيدة المعنية في الحرب القادمة عليها بل ان الدمار سيشمل ايران و العراق ودول الخليج وسيعيد المنطقة الى ما قبل الحرب العالمية الثانية او حتى الاولى . فالخراب سيكون شاملا ومرعبا وسيشمل مناطق النفط باجمعها بعد اغلاق مضيق هرمز وضرت ناقلات النفط في قناة السويس ولربما ستختفي الدول النفطية الصغيرة في الخليج وستهتز اوربا وتقطع امدادات النفط وتحل الفوضى ويعم الرعب في جميع انحاء العالم . ان الامر المقلق هنا هو ما الذي اعدته دول المنطقة لرد العدوان اوالدفاع عن نفسها وهل ستترك سوريا لوحدها ان ترد ؟ كتبت الايكونومست البريطانية في 29 ديسمبر 2010 مناشدة الرئيس الامريكي اوباما عدم شن الحرب على ايران تحت عنوان : "الرجاء لا مرة اخرى...." ولكن قوة المؤامرة اظهرت لنا اليوم عناد اوباما واصراره على شن الحرب رغم المعارضة الشديدة في امريكا على المستويين الشعبي والرسمي وباكثر شراسة من الرئيس الامريكي السابق المجرم بوش الذي شن الحرب على العراق . والمهم في ما قالته الصحيفة الذي يظهر لنا حجم الدمار القادم لو قامت الحرب : "ان حزب الله حدد اكثر من اربعة آلاف هدف في اسرائيل لضربها ب خمسين الف صاروخ " . ومن هنا نفهم لماذا اصبح من المطلوب تدمير سوريا قبل شن الحرب على ايران . تهديدات اسرائيل التي يقلقها وجود جيش سوري قوي مدعوم من ايران وحزب الله مستمرة وعلنية يوما بعد آخر والاستعدادت للحرب على قدم وساق لشن الهجوم على ايران وبالتاكيد ان اسرائيل سوف لن تكون وحدها في هذه المعركة حيث ثبت لنا وقوف امريكا الى جانبها بعد ان تمركز اسطولها الخامس في مياه الخليج العربي وانتشرت بوارجها ومدمراتها في البحر الابيض المتوسط جنبا الى جنب المدمرات الروسية . وكما قالت الفورن افيرز في عددها لشهر نوفمبر 2010 ، ان لامريكا اكثر من 1000 قاعدة عسكرية في المنطقة العربية وجميع انحاء العالم . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى علينا ان لا ننسىى التصريحات الكاذبة والمضللة التي لفقها كبار المسئوولين في ادارة الرئيس السابق بوش وعلى راسهم وزير خارجيته كولن باول التي اكد فيها على وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق قبل شن الهجوم عليه وغزوه عام 2003 تماما مثل اكاذيب الوزير كيري هذا اليوم بوجود الاسلحة الكيمائية في سوريا ومطالبته بشن الحرب عليها ويبدو لنا ان اوباما ووزرائه لا يتعضوا باحداث التاريخ ونسوا كيف قدم كولن باول استقالته واعتذاره على اكاذيبه بعد غزو وتدمير العراق وكيف انتهى كل من المجرمين الرئيس بوش وحليفه البريطاني توني بلير الى مزبلة التاريخ . فهل سيلقى الرئيس اوباما ووزيره كيري نفس المصير ! اللهم جنبنا مؤامرات القادة الغربيين في حروبهم الصليبية الجديدة .
https://telegram.me/buratha