علي حسين
إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للمالكي وبعض مقربيه لأنهم أبدلوا ملفات،مثل الأمن والخدمات بملف ساخن و "طازج" اسمه "هاي بيناتنه"..
فقد فوجئ العراقيين برئيس البرلمان وهو يسأل بالصوت والصورة رئيس مجلس الوزراء عن إهمال البيان الذي يلقيه لفقرة خاصة بمطالب المتظاهرين والمعتصمين.. وأمضى العراقيون سهرة ممتعة مع المالكي وهو يقول للجميع "هاي الفقرة نخليها بيتنانه" وسمعنا جميعا الكومبارس الحكومي يطلق همهمات الإعجاب.
بالامس قرأ الناس جيدا رسالة الخلاف بين حزب المالكي والكتل السياسية الأخرى، وعرفوا أن الأمر أكثر من خلاف سياسي.. ودققوا جيدا في التصريحات التي خرجت من كلا الطرفين اللذين شاركا في مباراة المالكي والنجيفي، وراجعوا الهتافات التي انطلقت في الفضائيات وبين أروقة البرلمان، وقارنوا بين كل ذلك وبين ما جرى خلال السنوات الماضية..
فاكتشفوا مثلما اكتشف أبسط عراقي ان الكارثة السياسية الأخيرة مدبرة ومخطط لها جيدا لمواجهة فشل الحكومة ومعها جهات تنفيذية في توفير الحد الادنى من الخدمات والأمن، فعلى طريقة "خليها بيناتنه" تدار المعارك السياسية لابتزاز العراقيين بفزاعات ضرب سوريا مرة، ومرات بوضعهم أمام صور شديدة القتامة والخوف، إن هم لم ينشغلوا بالحديث عن معركة سقطات البث المباشر.. ماجرى أمام المشاهدين لم يكن مسابقة في، من صاحب اجمل ابتسامة، خضير الخزاعي ام صالح المطلك، ولا معركة كلامية بين الجعفري والملة، بل هي معركة سياسية دامية ضد التغيير في العراق وضد الديمقراطية وضد حقوق المواطنين في مجتمع يحترم آدمية الإنسان، خطط لها ونفذها ساسة همهم الوحيد البقاء أطول فترة ممكنه على كرسي الحكم.
من العبث أن يحاول البعض قراءة ما جرى بعيدا عن فوضى الشغب السياسي الذي يمارسه معظم المسؤولين، ومن المضحك ان يحاول البعض وضع تسميات لما يجري بعيدا عن معارك المصالح والمنافع لسياسيين يغيرون جلودهم ويتلونون في كل مكان وزمان.
ولهذا فلا أعتقد ان مؤتمرا مباشرا مهما كانت النوايا المخلصة "لبثه" سيحل المشكلة القائمة ولن يجدي نفعا أن المالكي أذعن لمطالب النجيفي في ما بعد.. كما بشرنا البعض، فالمشكلة الحقيقية أننا اليوم نعيش في ظل سياسيين بلا رؤية، لا يعرضون أفكارا ولا يطرحون سياسات، ولا يفرقون بين كلمة "نحباني" و"تحياتي" - مع شديد الاحترام للراحل سليم البصري.
عندما يقول المالكي "خليها بيناتنه" وعندما يقرر النجيفي أن المالكي خدعه على الهواء مباشرة، فهذا يعني ان الجميع مصرون على مواصلة ذلك الخطاب المحرّض على الفوضى السياسية، هذه الفوضى التي تجعل من اجتماعات القادة مجرد دراما اجتماعية تنتهي بوعود وأمنيات واحتمالات أكثر مما تقر بالتزامات واستحقاقات وإجراءات عملية ملموسة، وللأسف ان الناس التي تتابع هذه اللقاءات سيرمى لها بالفتات من التصريحات.
المؤكد أن الناس كانت تضرب "أخماس في أسداس" لمعرفة تفاصيل اجتماع قادة الكتل، لكن العبقري الذي أمر بإذاعة بيان المؤتمر على الهواء وفّر لها خدمة مجانية عظيمة لا تقدر بثمن وجعلها تعرف كيف تفكر الدولة العراقية بأحزابها ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية، ولم يكن ينقصنا إلا أن تكون هناك ترجمة فورية إلى السنسكريتية والقرقوشية.
السادة أصحاب "خليها بيناتنه" الناس تسلت دقائق مع عرضكم المسرحي الباحث عن الفضيحة، لكنهم - أي الناس - فى كل ساعة سيطالبون بدولة محترمة، يجدون فيها عملا وأمنا وخدمات دون إهدار للكرامة و لا رشاوى أو منح أو صفقات من أحزاب تتعامل مع الشعب على أنهم جيوش من "الدايحين".
هل ننتظر توضيحا لمقولة "خليها بيناتنه" أم أننا بصدد مجموعة من الهواة يديرون أمور هذه البلاد؟ وبالتالي فعلينا أن نضع أيدينا على قلوبنا تحسباً لما هو قادم من عروض كوميدية تبث على الهواء مباشرة.
المصدر : صحيفة المدى
https://telegram.me/buratha