ثمة أسئلة محرجة بعض الشيء، ولذلك فإن إجاباتها، مسكوت عنها، أسئلة من قبيل: هل يلزم أن تكون خبيثا لكي تكون إداريا أو سياسياً ناجحا؟ وهل أن السياسية فعلا لعبة خبيثة يلعبها خبثاء؟ وهل الخبث في العمل الإداري والسياسي إحتراف أم هواية؟ وهل هو ضرورة أم ترف؟!
العقل الإداري والسياسي الخبيث ينتج دوما ما يخدمه، لا ما يخدم الشعب..وفي قراءة للصفحة الثانية من بعض الإجراءات الحكومية الأخيرة، نلمس بوضوح أصابع هذا الخبث..فتشكيل لجان حكومية رفيعة المستوى لحسم قضايا المعتقلين والموقوفين، كشفت عن قضية ربما لم تكن تخطر على بال صناع القرار..
فبعض المعتقلين مضت عليهم فترات طويلة، دون أن تحسم قضاياهم أو توجه إليهم أتهامات واضحة، وحسنا فعلت تلك اللجان وأطلقت سراح هؤلاء، لكن في الوجه الآخر من الورقة، سنكتشف أن علينا أن لا نتوقع من هؤلاء المطلق سراحهم، أن يكونوا مواطنين منضبطين و"حبابين"، يرتدون حزام الأمان وهم يقودون سياراتهم في طريقهم الى مخبز الصمون لشراء إفطار أسرهم؛ فعدد كبير منهم وتحت عامل الشعور بالتعسف والظلم الذي وقع عليه، سيلجأ الى خيارات أخرى، ليس من بينها أن يكونوا مثلما وصفنا..
ونفس العقل الإداري والسياسي الخبيث، و بتفعيل مخرجات نظرية الحكم القائمة على كيفية إستخدام القوة والنفوذ، ضمن مجتمع ما أو نظام معين، أنتج من بين ما أنتج حكاية الزوجي والفردي في سير المركبات، وفي قراءة للصفحة الخلفية من هذا القرار، الذي حاول حتى نواب من كتلة الحكومة تبريره بالوضع الأمني، نقرأ أن وراء هذا القرار عقلية تريد تطبيع الشعب على نظام من الطاعة بوسائل مبتكرة، ومن خبثه أنه وضع إستثناءات خبيثة، ليخلق حالة من الإرباك والتحاسد والتباغض المجتمعي، والشرطي الذي قتل مواطنا في بغداد قبل يومين لأنه خالف هذا القرار، كان يمارس مفردات هذه العقلية من حيث لا يدري، لأن رؤساءه ثقفوه عليها، وهم بدورهم ورثوها عن العقل الإداري الخبيث الذي خلفه لنا نظام صدام..
إن التفكير المنطقي والإيجابي، يذهب بإتجاه البحث عن تفسير للسياسة، يستخدم للدلالة على تسيير أمور أي جماعة وقيادتها، ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة،والقيام بما يصلح الأمور وفقا لأجراءات وطرق ووسائل وغايات مشروعة؛ فليست السياسة هي الغاية تبرر الوسيلة، وليست العاب قذرة خبيثة، فهذا منطق المنافقين الأنتهازيين..
وربما ولأن نظامنا القائم لم يستوعب بعد دهاء هذا العقل المستحكم بالدولة العراقية، نراه ينساق مع مخططاته متصورا أن هذا هو ما يناسب شعبنا، واليوم نقف كشعب إزاء مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة، لا بد من معالجتها لصالحنا، وليس لصالح الخبثاء...!
إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه طبقتنا السياسية المأزومة دوما, والذي يتعين عليها النهوض به, ولكن ليس بأدواتها الحالية؛ بل بأدوات جديدة، تحتاج الى تنوع جديد، وقوى إضافية جديدة، ونهج جديد وسياسات جديدة، ودماء جديدة: دماء عاملة وليست دماء قتلى!
إن الحاجة ماسة جدا لمن يريد المضي الى نهاية المرام، أن يصول على ذاته أولا، والصولة على الذات تبدأ بتطهير الذات من آثامها المتمثلة بقوى إدارية وسياسية صارت خارج التغطية، وبدولة مثقلة بجهاز إداري مشبع بالجمود والفساد والخبث..!
كلام قبل السلام: لا يظهر المستحيل ...سوى فى أحلام العاجز!
سلام.
https://telegram.me/buratha