بسم الله الرحمن الرحيم
لا زالت ذاكرتي تختزن الكثير من الاحداث للسنوات القليلة التي كنت فيها موظفة قبل ان اخرج منها مستغيثة فلا راتب جاري او تقاعد مستقبلي وقف في وجه القرار الذي اتخذت ولقد تحول كل حدث عشته الى درس يتمثل امامي من وقت لاخر وها هي احدى الذكريات وعبرتها تسطر نفسها امام القارىء الكريم .
من هو مديري ؟
شاب ثلاثيني, مهندس بعثي, من كتاب التقارير قبل السقوط وشيعي مضطهد في فترة تعيني مابعد السقوط , حية رقطاء فهي تكلم اهل الغربية بلهجتهم وتعزيهم على رحيل الطاغية وتسد افواه ابناء اهل الجنوب ببكائها على مظلوميتها وكيف انها اضطرت لتكون افعى بعثية وعضوا في فرقة النواة الذهبية ! , مرتشي كاذب محتال وداهية لايصلي ولايصوم علنا ً وكل من سألته عنه يجيبني بكلمة واحدة كتعريف له " ساقط " (وعفوا لادراج الكلمة ) .بقي في وظيفته لسبيين انه صاحب شهادة وانه انسلخ عن جلده البعثي امام المضطهدين من ابناء الشعب وتنكر لماضيه واعلن اسفه وفي نفس الوقت اقنع البعثيين انه اقدم على الامر تمويها ويتمنى لو ان الزمان يعود يوما !! .
كان علي ان اتحمل هذه الشخصية وان اعمل معها لمدة 6 ساعات يوميا ً , كل من كان يراني ويعرف انني تعينت في نفس قسمه بل وتحت لوائه يقول لا اله الا الله وكانه يسير في جنازة! , تملكني رعب كبير اول الامر حيث انني ارقب وجوها ً كثيرا ً واسمع الاحاديث ولم اكن اشخص الصادق من الكاذب وتطلب الامر اشهرا ً لاستطيع فك الصورة الضبابية الشاخصة امامي وتجميع الكلمات المتقاطعة لتكوين جمل مفيدة .
بالحيطة والحذر والاحترام العالي تعاملت معه طلبا ً لاحترام مقابل وكان هذا مع بعض العقوبات البسيطة عندما اكون حجر عثرة في طريقه فتاره يعاملني كساعي بريد وتارة ككاتبة قسم واخرى مهندسة ومديرة اذا غاب ! وتقبلت كل شيء لاني تعلمت من كل هذه الوظائف ! ولان بعضها يجعلني اغيب عن ناظريه وهذا جل ما اريد فكم صهرتني الشمس والعمال يتوسلون ان ارجعي الى غرفة المهندسين المكيفة وكيف ارجع وهو هناك يهاتف المسؤولين ويتملق وينافق علنا ً وكانها صفات راقية ثم ينظر الي ويقول " اتعلمي " وكانت هذه الكلمة صاعقة تنزل على رأسي, ماذا ان اصبحت ذات يوم مثله !! .
مرت سنوات ثلاث اكثر ما تعلمت فيها هو كي احمي نفسي وافكر في كل ورقة قبل توقيعها بل احيانا ً اتصل بموظفين من دوائر اخرى ثقة واستبين الخبر وان ظلت الشكوك تساورني والضغط يشتد علي اهرب من الدائرة قبل انتهاء الدوام الرسمي ! اسافر تارة وااخذ اجازة بدون راتب تارة اخرى واحيانا ً تنقطع السبل للوصول للدائرة وكان هذا العيد بالنسبة لي .
اشتد الموت خلال تلك الفترة وفي كل يوم قطعة سوداء على باب الدائرة اسير مسرعة عسى ان يكون عزرائيل قد ارسل في طلبه فلقد وصلت الى مرحلة تمني موته لا لارتاح بل ليرتاح جسد العراق فلقد مزق اوصاله بحجم السرقات والتي عبثا ً قضينا الوقت في لملمة ادلتها فلقد كان جزءا من عصابة هو الاصغر فيها فلا مدير عام يوقفه ولا وزير " شغل مرتب" كما كان يصفه .
مات الكثير من الموظفين عام 2005 - 2006 وكلهم شباب وقد انتقى الموت افضلهم في غدر وتفخيخ وقتل عشوائي وكاد مديري ان يموت في ثلاث موتات محققة ولكن شاء الله ان يبقى فسقوط القذيفة على بعد امتار منه لم تقتله ورصاصة خرقت عين صديقه اليسرى واخطأت عينه اليمنى مع ان الفارق ثلاثة اصابع !! وساوت سيارته التي اشتراها بالمال الحرام الارض عندما اعتلتها شاحنة وخرج منها بكسور سرعان ما داوتها الايام فلقد سُحق الحديد ولم تسحق عظامه فسبحان الله الذي قدر هذا الامر .
عام 2006 طلبت اجازة 6 اشهر لان الوضع كان مأساوي وكانت فرصة جيدة لاحسم امري فما فائدة ان اكون مجمدة في وظيفة لا اقوى فيها الا على حماية ذاتي ؟! هل استحق راتبا ً لعمل بسيط مقيد لا يُنهى فيه عن منكر مهما حاولت ؟ هل ساظل اوهم نفسي باني اخدم الوطن بينما يمر الوقت في وظيفة غايتها انتظار اخر الشهر للقبض ؟فالوزارات معطلة وعملها ضحك على الذقون خاصة وزارتنا , كيف اخدم وطنا ً وانا في بركة وحل اتأرجح فيها على الاحجار كي لا اقع ؟ لا استطيع رفع راسي فان رفعتها سقطت وان بقيت انظر الحجر لم ادرك ما امامي .
اشتد الامر وتركت بغداد تهجيراً ووجدت نفسي امام نقطة صفر جديدة جالسة عند احد اضرحة اهل البيت ( ع) أتامل فلا منزل ولا وظيفة ومستقبلنا مجهول فخاطبت صاحب القبر قائلة اخترت لنفسي فلم افلح فإاختر لي أمراً استطيع ان اخدم محبيكم به ويرضي الله فهو يرضى لرضاكم , اتممت جملتي وصليت وما ان انتهيت حتى جاءت طفلة تطلب مني ان اشرح لها درسا ً ومنذ ذلك الوقت وانا اعمل معلمة في قطاع خاص بعيدا ً عن هموم دولة لاتقطع دابرالفساد .
لحظة توكل واحدة على الله بقلب مطمئن انه لا ينسى عبده قلبت موازين حياتي وابدلت ظلماتها نورا ً وها انا ذا اقطف ثمارها وازداد عبرة وشكراً يوما ً بعد يوم واود مقاسمة الثمار مع كل من يشعر انه مقيد في عمل ما بحيث لا يغير من الباطل ولا يخدم احدى سوى نفسه بكسب بعض الدنانير وتمر ايامه وهمه حماية ذاته والابتعاد عن المشاكل ولا يتطور مع مرور السنوات ويفرك راحتيه اسفا ً لانه لايغير شيئا ً وان حاول .
الى من يعيش هكذا احوال فك قيدك بالتوكل على الله واساله ان يختار لك وان يجعلك من خدام دينه ومذهب اوليائه اطلبها باخلاص وانتظر النتائج لن تصدق ما سيحصل , ثق ان الله في كل مكان وخدمه المجتمع لها اكثر من طريق فان وجدت الطريق مسدود فارجع بحثا ً عن اخروعن نقطة بداية عسى الله ان يهيأ غيرك لذاك الطريق فلكل انسان طاقه ولا توهم نفسك بانك مختارها وان بانسحابك سيمحق الدين واركان المسلمين فان وصلت لهذه النقطة التي عبرها اكثر سياسيونا وابناء حكومتنا ستكون عبرت الى اللاعودة واسال الله ان لا يكون .
لا تنتظر ان يموت مديرك فستذوب شمعتك في ظلامه بل ابحث عن مخلص تتبعه فتزيد النور نورا وعسى ان يغلب الظلمة الموحشة .
ماذا لو عشنا دقائق اخلاص مع الله ما زالت الثواني تعطي كل هذا العطاء سؤال بحاجة الى تأمل ؟!!!!
اللهم انصرنا على خربة انفسنا ولا تنجح للشيطان مقصدا في ولوج نقاط ضعفها وانصرنا بنصر متتابع لصرع ال" انا "واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الغر الميامين وسلم تسليما ً كثيرا ً.
اختكم
https://telegram.me/buratha