لأول وهلة تبدو مفردتي التنوع والإختلاف وكأنهما من سنخ واحد، غير أن واقع معمارهما يشي بغير ذلك، فالتنوع الذي لا يفضي الى خلاف، طاقة تكمن فيها أقصى محصلات البناء؛ فيما تكمن في الاختلاف إمكانية التحول الى خلاف منتج لأسوأ ألوان الدمار والخراب.
غير أن المجتمعات هي الضابط في تحقق أي من هذين المسارين، فهي ذاتها التي تنتقي أي المسارات أو الدروب لتسلكه.
إذ أن أي نظام مجتمعي لا يمكنه التحصل على مقومات الديمومة والنجاح، ما لم تتفشى فيه إيمانات الانتماء للمشترك الواحد، وللذات الجمعية الواحدة, تتشكل من خلالها هويته الموحدة، الناتجة من تفاعل الهويات والجزئيات الفرعية والفئوية، ليتحول التنوع الى ثابت أصيل، وواقع يعتز به المجتمع؛ وليس الى إختلاف مخيف، يشكل خطرا داهما على حاضر ومستقبل المجتمع، كما هو حاصل مع الأسف في بلدنا ومجتمعنا..
ويكمن الخطر الذي نعنيه، في تضخم الأنتماءات والخصوصيات العرقية والفئوية والفرعية، ويزداد تضخمها فتتحول الى أورام سرطانية، إذا ما وجدت بيئة صالحة، تتغذى بالمؤثرات الخارجية؛ واللعب على حبال الزمن الرديء، والنبش بالتاريخ لإستحضار أسوأ ما فيه، فتنفجر الأورام داخل جسم الذات، ثم لا تلبث أن تنتقل عدواها، الى صميم الهوية الوطنية، والذات الواحدة المشتركة، ليحصل الوهن فالاغتراب، ثم فالخراب.
إذ أن فقدان المكونات المجتمعية رزانتها الوطنية، نتيجة للتغذية التي أشرنا اليها، ونبش الأحقاد وإذكاء الكراهيات وبعث العداوات، لن يبقي من عناوين الانتماء الوطني الذاتي الواحد، إلا لدى مجموعات قليلة، ألفت التنفس برئة المشترك الواحد رغم الإحباط والخراب، لأن هيمنة الهوية الوطنية راسخة في عمق ذاتها، رغم محاولات تلويثها.
الذين أجتمعوا قبل عدة أيام لتوقيع ميثاق الشرف ووثيقة السلم الأجتماعي، معظمهم من هذه القلة القليلة، أقول "معظم" وليس "كل"، لأن قراءة وجوه "بعضهم" تفيد أن هذا "البعض"، حضر لطقس إحتفالي للحصول على الوجاهة، التي هو بحاجة إليها في قادم الأيام المليئة بالأستحقاقات السياسية، فيما البعض "الآخر" شارك لإسقاط فرض، إذ أنه ليس في وارد الموضوع من أصله، وثمة "بعض" أيضا تم حشده بالقاعة لتكثير العدد..
غير أن إستمرار التطلع في الوجوه يكشف عن إخفاقة كبرى، تكمن في أن مكونات مجتمعية مهمة ومعنية بالسلم الأجتماعي قد إستبعدت، لأسباب غير مفهومة كما حصل مع "القومية الشبكية"، مع أنهم مثال ونموذج حي يطبق ضده الإجتثاث المجتمعي بحذاقة ومهارة..!
كلام قبل السلام: الآمال كالماء لا تحمل في غربال!
سلام.
https://telegram.me/buratha