الحاج هادي العكيلي
أن الإنسان يقيناً لا ينساق إلى العبودية إلا بواسطة أحد السبيلين : أما مكروهاً أو مخدوعاً .والتاريخ العراقي حافل بالأمثلة إذ كثير من البعثيين الذين استمرت عبوديتهم ماضياً وحاضراً ووصل الخوف فيهم إلى درجة الاستلاب وفقدوا ليس فقط حريتهم بل القدرة على الاستيقاظ لاستردادها، حتى يتهيأ لمن يراهم أنهم لم يخسروا حريتهم بل كسبوا عبوديتهم. وقد تعددت صور الخنوع والعبودية للطاغية (( القائد الضرورة )) الذي جاؤا به للسلطة بقوة السلاح والقتل والإرهاب والتشريد ولم يغادروها إلى يومنا هذا . لا يأتي الخوف من فراغ. بل هناك مشكلة ما في مكان ما تجعلنا نخاف. ولا شكّ في أن الخوف السياسي سببه الاستبداد والطغيان، وينشأ نتيجة مشاكل بنيوية داخل الدولة ونظام الحكم قبل كل شيء. وحل مشكلة هذا الخوف لا تتم إلا عبر حلّ أسبابه، عبر العمل للوصول إلى مجتمع ديمقراطي، لا يكون فيه الخوف أساس أي نقاش سياسي، ولا يكون كذلك أساس أي نقاش ديني أو أخلاقي، وأن تكون الديمقراطية والحرية هما أساس أي نقاش، وأن تكون المساواة والعدل أساس التعامل مع الأفراد والجماعات. وأن لا تتم معالجة أي مشكلة وكأنها مواجهة بين طرفين تحولها إلى سباق بين منتصر ومنهزم. أن الخوف السياسي أصبح ظاهرة في معظم بلدان العربية ومنها العراق بالرغم من إشاعة الديمقراطية ، ويتهيأ لمن يراه أنه لم يخسر حريته بل كسب عبوديته من الذين تعددت أوصافهم وثقلت ألقابهم من ( القائد الملهم ) ( القائد الضرورة ) ( القائد الخالد ) ( ألآب القائد ) ( مختار العصر ) !!! وعلى الرغم من أن بعضهم لم يأتي بانقلاب وحركات عسكرية التي شهدها العراق سابقاً ولم تغادر بعض النفوس من أعادتها ، نجدهم تحولوا إلى مستبدين ليس لهم نظير في عالم اليوم . وقد يسأل أحد أن هناك فرق بينهم ، ولكنني لا أرى اختياراً بينهم لان الطرق التي استولوا بها على زمام الحكم تعددت ولكن أسلوب الحكم لا يكاد يختلف .وأنا أسئل : ما الذي يجعل فرداً واحداً يستفرد بحكم كل شيء يخص الجماعة ؟!! وكيف يمكن للجماعة أن تتحمل طاغية لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه من تخويل ؟!! هذه الأسئلة تأخذ وجهتها إلى منطقة الضعف في النفس البشرية ، بوصفها المنطقة التي تجعل الطاغية فينا ، فأن صنع الطغاة من قبلنا ، فمن أين له: العيون التي يتلصص بها عليكم إن لم تقرضوه إياها؟ وكيف له بالأكف التي بها يصفعكم إن لم يستمدها منكم؟ ومن أين له بالأقدام التي يدوسكم بها إن لم تكن من أقدامكم؟ كيف يقوى عليكم إن لم يقو بكم؟ كيف يجرؤ على مهاجمتكم لولا تواطؤكم معه.وحتى لا يكون بيننا طاغية جديد علينا في أبسط الأشياء أن نمتنع من إعطاء أصواتنا إليه في الانتخابات لكي لا يجددوا فينا الخوف والقهر والعذابات والأوجاع والأحاسيس الموحشة وتتقيد حريات الإنسان ويصبح مرغماً مكروهاً أو مخدوعاً منساق وراء العبودية فعلينا التمسك بالتغيير الديمقراطي ضرورة للخلاص من الخوف .
https://telegram.me/buratha