بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
مقدمة واجبة:إنهم هناك في كل مكان، يحضرون المجالس الدينية يبكون أمام الناس ليرضوا غرورهم، يقيمون الموائد ليقال عنهم ممن ينفق في سبيل الله، يحجون كل عام لانهم يملكون المال للحج في حين الملايين ممن يتمنون الحج او الذهاب لزيارة قبر النبي الاكرم بنفوس مطمئنة وارواح متعلقه بالدين الحنيف لايقدرون على إداء هذه الواجبات الشرعية لانهم لا يملكون المال او الفرصة حيث لا تخرج أسمائهم ضمن القرعة ولا يستطيعون الذهاب لبلد آخر يسهل لهم الحج من خلاله. لمن تتاجرون؟لهؤلاء الذين يذهبون للحج كل عام، لهؤلاء الذين يقيمون الولائم في المجالس لكي يملاْ منها المكتفون والقادرون على اقامة مثلها بطونهم، بدلا من اقامة الولائم للفقراء والمحتاجين، لهؤلاء الذين يصرفون الملايين ليظهروا أمام المجتمعات بانهم من أهل الفضل ولينالوا كلمات الاستحسان من هؤلاء وهؤلاء من أشباههم، أقول هلا اطعمتم الايتام بدون ان يعلم احد بما تصنعون؟ هلا ارسلتم أبناء الفقراء للمدارس العالية باموالكم وصرفتم عليهم ليكملوا تعليمهم الجامعي او الثانوي بدلا من ان يجولوا في الشوارع بحثاً عن لقمة ويتعرضون لسلبيات الحياة ووضاعة الافكار؟ هلا صنتم هؤلاء النسوة اللواتي يخرجن في الصباحات تحت الشمس الحارقة أو تحت هطول الامطار وهن يخضن في الاوحال ليطعمن اليتامى والجياع من أبناء أبنائهن أو بناتهن الذين قتلوا غدراً باسم الحريات المزعومة والديمقراطيات الكاذبة؟ لماذا تحجون كل عام وقد حججتم في الاعوام الماضية هل شككتم في ان حجكم لم يكن مقبولاً؟ ألم نقرأ في الكتب انه في آخر الزمان سيمنع الامام المهدي (ع) كل من حج سابقاً ليفسح المجال لمن لم يؤدي هذه الفريضة فيذهب مطمئناً للحج؟ ثم لماذا تزيد أسعار الحج كل عام؟؟ لماذا يحصل المترفون على الفرصة للحج وينزلون في الاماكن المرفهة بينما لايجد بقية الحجاج مكانا الا في غرف مزدحمة وفي شروط قاسية؟ كيف تسمح الحكومات لمن حج سابقاً ان يحج مرة ثانية بدلا من فسح المجال لمن لم يحصل على فرصة الحج؟لماذا يذهب الوزراء والبرلمانييون والمسؤولون للحج كل عام ويتركون وظائفهم ومسؤولياتهم المناطة بهم في تحقيق مطالب المجتمع؟ اليس هذا واجبهم الشرعي والدستوري والقانوني في ان يكونوا في مكاتبهم ويتقبلوا طلبات الناس او أن يؤدوا واجباتهم في الوزارات بشكل يؤمن للناس حقوقهم ويحقق لهم مستقبل افضل؟؟ لمتذت يذهب المقتدرون من رجال الدين للحجب بأموال الصدقات والاخماس والزكوات بدلا من ان تذهب هذه الاموال للمحتاجين من الناس؟مشاريع لغايات ذاتية:من الملاحظات المهمة أن الكثير ممن تصدى للعمل الديني وإعتبر نفسه وكيلاً عن الله في أحكامه الشرعية ينشيء مشاريع باموال الآخرين بحجة ان هذا المشروع باسم الإمام الفلاني أو القضية الفلانية، ويطالب الناس بالتبرع لهذا المشروع وقد يضع حساباً مصرفياً ويطبع منشورات تحض الناس على التبرع له، وحين تبحث في أصالة الموضوع تجد انه هو وحده المستفيد من هذا المشروع إن لم يكن في الجانب المالي فعلى الاقل في الجانب المعنوي فيظهر إسمه على الكتب أو في المؤتمرات والندوات ويمنح الألقاب والدرجات متناسياً أن هذا المشروع بالاصل هو من أموال الناس، فهذه المشاريع ليست كالمشاريع التجارية التي ستكون المرابحة فيها مشتركة، ولكنه سيعدك وعودا وهمية بان هذا المشروع مقبول عند الله وانه تعالى شأنه سيكتب لك فيه الحسنات وغيرها من المسائل المعنوية التي لا تكلفه شيئاً لان المشروع اولا وآخرا هو بإسمه وهو الوحيد الذي سيظهر في الصورة. وحتى لو طبع كتاباً ووضه هذه الفقرة (الكتاب طبع على نفقة فلان) فهل الناس ستهتم لهذه الفقرة ما دام الكتاب نفسه يحمل اسمه هو مع العلم ان حتى هذا الكتاب هناك من ساعده في البحث عن مادته وهيء له أصول المصادر، وجمع له المعلومات من مضانها، وصنف له المصنفات، ولكنه بالنهاية سيكون اسمه على الكتاب وبالتالي فهذا المشروع سيكون مشروعاً ذاتياً لا غير.وهناك من يقول لك إدفع لي وسأصلي وأصوم واحج وادعو لك مقابل مبلغ (خمسة آلاف دينار شهرياً)، فاي حكم شرعي يجوّز القيام بهذه الافعال التكليفية عن شخص صحيح البدن ومتمكن مادياً وقادر على القيام بها بنفسه؟ (كما تفعل احدى المؤسسات الان في العراق).وهناك أشخاص يدعون الناس لمساعدتهم في تأسيسي مشاريع باسم الله، فتطبع النشرات الملونة وتبث الاعلانات التجارية في الصحف والمجلات والقنوات الاعلامية، وتراهم يتحدثون في المجالس ويدعون الناس لانفسهم ويطالبونهم بالمال لمشاريعهم، ولو ان بعض التجار او اصحاب المال رفضوا مساعدتهم لعدم اقتناعهم بتلك المشاريع فتراهم يغضبون ويتحدثون عنم بالسوء ويذكرون مثالبهم، ولو انهم اعطوهم المال لمجدوهم وجعلوهم فوق البشر لا يتحرجون في ذلك حتى وإن كان هؤلاء المتبرعين من الفساد ومن المشبوهين وغيرهم. غير ان الاغرب ان هؤلاء وبعد ان تتكامل المشاريع ويحققون منها أغراضهم يتركونها ويتخلون عنها لانها لم تعد مفيدة بالنسبة لهم، ولكنهم مع ذلك في سيرتهم الذاتية سيكتبون ان الواحد منهم أسس مائتي مشروع وعندما تسأله اين هي هذه المشاريع الوهمية يتعلل لك ويذكر اسابابا وهمية وغي رمقنعة ويلقي بالحجج على هذا وذاك ليبرأ نفسه وفشله. فالغاية ليست ان يكون المشروع في خدمة المجتمع ولكن في خدمة قضية مرحلية تقدم اسم هذا الشخص ولتكون كواجهة له، أي نوع من (البروباغندا) فهو أمام الناس صاحب مشاريع عديدة ولكنها مشاريع فارغة صارت عبئاً على المجتمع.وأما مشاريع الحج فتجارة رابحة بكل تأكيد لأنها مستمرة والاشخاص يدفعون في سبيل تأدية هذه الفريضة، ولكنهم يتناسون أنهم غير ملزمين بالحج كل عام، فصاحب المشروع يهمه المال والمكسب وهو لا يهمه أن من يذهب معه للحج هم ذات الأشخاص نفسهم كل عام ماداموا سيدفعون له ما يريد وحتى الموكلون معه بالشؤون الدينية أو مرشدوا الحج لايبلغون الناس ان الذي حج في العام القادم عليه أن لا يحج هذا العام ليترك الفرصة للاخرين للحج، لان هذا المرشد الديني أو ذاك ضامن ان حجة سيكون مجانياً أو شبه مجاني كونه مرتبط بصاحب هذا المشروع أو ذاك. هذه الاموال:أول ما سيتصدى لي في هذه القضايا هم المعممون وسيقولون لي أنت غير معمم ولم تدرس في الحوزة ولا يجوز لك ان تعطي حكما شرعياً، فاقول لهم، من خولكم ان تتكلموا باسم الله وأن تكونوا حكاما على عقول الناس، ومن خولكم بحمل هذه الالقاب؟فبدلاً من أن تنصبوا موائدكم لمن يستطيع ان يأكل وان يقيم ذات الموائد، فأطعموا الجوعى أولاً، كم إنسان على سطح الارض يبيت جائعاً، هذه الملايين من البشر اليسوا هم أيضا خلق الله؟ لماذا لا تذهب اموالكم من اجل رعاية هؤلاء الاطفال وإبعادهم عن الشوارع والمزابل التي يبحثون فيها عن لقمة العيش؟ لماذا لا تبنون باموالكم بيوتاً آمنة لهؤلاء الذين يسكنون في بيوت الصفيح أو الطين تسحقهم اشعة الشمس ويغرقون في اقل زخة مطر؟ لماذا لا تبنون بأموالكم مدارس وحضانات للاطفال بدلا من مدارس الطين خاصة في الجنوب والفرات الاوسط؟ لماذا لا تذهب اموالكم حتى من الخمس والصدقات والزكوات لشراء حرية الانسان من الاستعباد الذي تمارسه عليه الحكومات الظالمة؟ لماذا لا تذهب اموالكم لدفع مهور الفتيات من بسطاء الناس لتعينوا الشباب على الزواج ولتحصنوا الفتيات والفتيان؟ تقولن قد يفعل ذلك البعض منا، ولكن ما قيمة هؤلاء أمام من يملك المليارات من حكام ورجال دين وأتباع وغيرهم؟هل تذهبون للحج كل عام؟ هل تطعمون المتخمون لتكسبوا بهذا الطعام صداقتهم؟ هل تقربون الجهال باموالكم وتبعدون العلماء الذين يفضحون سلبياتكم؟ هل تصنعون المشاريع باموال الناس ليذكروا اسمائكم وليقال فلان صنع كذا وكيت، وفلان طبع الف كتاب، وعلان، يجتمع لديه الأعيان كل اسبوع؟ وهذا عالم جهبذ يكتب في كل شيء مع انه لم يكمل دراسته لا في الجانب الاكاديمي ولا في الجانب الحوزوي ومع ذلك يتم تمجيده لانه وضع العمامة؟ وهذا آية الله وذاك حجة الرحمن، وآخر مقدس وهكذا. هل تفعلون كل ذلك؟ هل تقدمون المفضول على الفاضل لان المفضول ابن مدينتكم؟ وتبعدون العالم الفاضل لانه ليس كذلك؟ هل تريدون أن تكسبوا الدنيا والآخرة باسم الدين؟ فهل الدين حكر عليكم من دون الاخرين؟ هل تذكرون الناس بالاخرة وأنتم تصنعون الدنيا لانفسكم؟ هل تتلبسون بلباس الائمة والصالحين وأنتم تعيشون على أموال الناس؟ إذا كنتم تفعلون كل ذلك فاني اقول لكم أن تجارتكم هذه غير ناجحة لان شريككم فيها إبليس وإني لن أشارك الابالسة!! فالله لم يأمركم أن تعيشوا عالة على أموال الناس بإسم مشاريعكم، والله لم يأمركم أن تأكلوا أموال الناس باسم حصتكم من الاخماس والصدقات والزكوات!! والله لم يأمركم أن تستغلوا إسمه أو اسماء الانبياء والاوصياء لتمرروا من خلالها مشاريعكم وخططكم ولتستجلبوا بها قلوب الناس!! الله لم يأمركم بتقديم المفضول على الفاضل، وهو أمركم أن لا تزروا وازرة وزر أخرى!! الله لم يأمركم ان تفرضوا رأيكم على الناس، فمن خولكم أن تحاكموا الناس باسم الله وانتم لستم معصومين ولستم اوصياء والأمة تشترك معكم في العلم.مرة أخرى سيتصدى لي هؤلاء الذين يصرون على أن العالم يجب ان يكون معمماً لانهم وهم مع إدعائاتهم لا يقدمون في مجالسهم إلا المعممين حتى وإن كان الواحد منهم لايحسن أن يلفظ إسمه.الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيالمملكة المتحدة - لندن22 أيلول 2013م
https://telegram.me/buratha