المقالات

مشهد العراق الامني.. احداث ووقائق تستحق القلق !

425 17:02:00 2013-09-23

 

   لم يستطع محمود وكاع الجبوري، ذلك الرجل العجوز الذي انهكته الدنيا تحمل صدمة استشهاد خمسة من ابنائه على ايدي الجماعات الارهابية المسلحة، وسقط على الارض منهارا من هول تلك الصدمة، وصرخ بعد ان القى بنفسه على نعوش ابناءه الخمسة “اعطوني سلاحا اريد ان اقتل نفسي، اريد ان اكون سادسهم لا اريد الحياة بعد فرقاهم”.. لكنه عاد بعد ان استرد انفاسه ليقول “اقسم بالسماء والدين والارض لن ارتاح ولن تغفو لي عين الا بعد الانتقام لدماء اولادي الذين قتلوا بأياد قذرة دمرت العراق وشعبه وارادت للاسلام الدمار فقتلت الشعب على الهوية شيعة واكرادا وتركمانا بذريعة العمالة” متساءلا من هو العميل؟ ومن يدمر ويقتل؟ ،ومن يسمح بهدم المنازل والعائلات وزيادة الارامل والثكالى واليتامي غير هؤلاء المجرمين؟”.

   وعائلة محمود وكاع الجبوري كانت تقطن في محافظة الموصل وقد تركت منزلها هناك بعد ان تلقت تهديدات عديدة من جماعات ارهابية مسلحة لذلك قرر الاب وبعد التشاور مع ابنائه اختيار محافظة كركوك كمكان لاقامة مؤقتة حتى تتغير الظروف ويكون متاحا لهم العودة الى منزلهم.

   ويبدو ان الجماعات الارهابية التي وجهت التهديدات لعائلة وكاع لم تكتف بأرغامهم على ترك منزلهم ومنطقتهم، بل انها كانت تفكر بأبعد واكثر من ذلك، أي ان نيتها كانت تتمثل بتصفية ابناء ذلك الشيخ الكبير، وبالفعل حصل ذلك، والحجة على ما يبدو هو انهم كانوا يعملون بنظام العقود مع شركات لتشييد الابنية، وبحسب منطق الجماعات الارهابية فأن تلك الشركات تعمل في خدمة الدولة والحكومة، فهي بالتالي عميلة ومأجورة.

  ان الفاجعة التي حلت بالرجل الكبير الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري ليست الا نموذجا او مثالا من بين مئات او الاف النماذج والامثلة على الارهاب الدموي التكفيري والصدامي ضد المدنيين الابرياء من ابناء الشعب العراقي، الذي اجتاح العراق بعد سقوط نظام صدام، واستشرى واستفحل خلال الاعوام 2005 و 2006 و 2007، بدعم واسناد وتمويل من جهات خارجية عديدة في مقدمتها المملكة العربية السعودية.

   فكثير من التقارير الخاصة والعامة، اوردت خلال الاعوام العشرة الماضية ارقاما وحقائق ومعلومات لايرقى لها الشك عن طبيعة الدور السعودي بدعم وتمويل الارهاب، واكثر من ذلك ان كبار الساسة السعوديين لايتحرجون ولايترددون في الاعتراف والاقرار بأن السعودية تسعى الى افشال العملية السياسية في العراق، واسقاط الحكومة القائمة بسبب توجهها وهويتها الطائفية، مثلما يرون ويفترضون ذلك.

  وفي عام 2005 وبعده، كتبت صحف اميركية وبريطانية عديدة تقارير ودراسات ومقالات اوضحت فيها ان المملكة العربية السعودية تعد اكبر الممولين للارهاب في العراق، وبنفس المعنى تحدث مستشار الامن الوطني السابق موفق الربيعي قبل بضعة ايام، وتحدث غيره، ومن بينهم السفير الاميركي السابق في العراق كريستوفر هيل.

   ويتذكر الكثيرون ان تسريبات ظهرت في عدد من وسائل الاعلام العراقية وغير العراقية بعد تولي بندر بن سلطان رئاسة جهاز المخابرات السعودي في حزيران-يونيو من العام الماضي، عن توجهه الى العمل وبالتعاون مع اجهزة مخابرات اقليمية لاعادة تفعيل موجة الارهاب التكفيري في العراق.

   ويمكن للمراقب ان يشخص حقيقة انه منذ تربع بندر على قمة هرم المؤسسة الامنية في السعودية، ارتفع مؤشر العمليات الارهابية في العراق، ليس هذا فحسب، بل انه خلال الشهور القلائل الماضية عادت مظاهر الارهاب التي سادت خلال عامي 2005 و 2006 الى البروز مجددا، وبنفس المدن والمناطق التي كانت في وقت من الاوقات قواعد ومنطلقات للجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث المنحل.

   ففي فترة زمنية قصيرة شهدنا عمليات قتل بطريقة همجية بشعة طالت افراد عوائل بكاملها تنتمي للمذهب الشيعي في منطقة اللطيفية جنوب العاصمة بغداد، وفي محافظة نينوى، وفي قضاء ابو غريب، وفي محافظة ديالى، والى جانب عمليات القتل، راحت المنشورات التهديدية تنتشر في تلك المدن والمناطق، الامر الذي دفع عشرات او مئات العوائل الى ترك منازلها، وخصوصا ماحصل لابناء المكون الشبكي في محافظة نينوى، مضافا الى ذلك فأن استهداف موظفي الدولة، لاسيما المسؤولين الحكوميين.

   وعمليات القتل والتهديد والتهجير هذه لم تأت من فراغ، وانما هناك جهات تخطط وتمول وتشجع، وهي ذات الجهات التي مافتأت تحاول ان تأتي على كل ما تحقق من امور ايجابية في العراق خلال الاعوام العشرة المنصرمة.

   ولاتنفصل العمليات الارهابية المتتابعة بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة في بغداد ومحافظات عراقية اخرى عن مظاهر التهديد والتهجير والقتل على الهوية، اذ ان الموجه والمخطط والمنفذ واحد، وكل منها تكمل الاخرى من حيث الاهداف والدوافع، مثلما يؤكد ذلك ساسة ومثقفون عراقيون كثيرون.

  بعبارة اخرى ان تلك الفواجع والكوارث والماسي لاتقع عبر الاختطاف والقتل، او هجمات الجماعات المسلحة على هذا المنزل او ذاك فحسب، بل ان عمليات التفجيرات بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة والقصف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا غالبا ما تخلف كوارث وماسي وفواجع مؤلمة للغاية حينما تحصد ارواح عوائل بكاملها ولاتبقي منها الا فردا واحدا ربما يكون شخصا كبيرا في السن او طفلا صغيرا.

   ان الجماعات الارهابية ليس في اجندتها هدف سوى جعل كل العراقيين شيعة كانوا ام سنة، عربا او اكرادا او تركمانا او كلدواشوريين، مسلمين ام مسيحيين يواجهون نفس ماواجهه الشيخ الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري، وقصة هذا الشيخ التراجيدية المؤلمة ليست سوى غيض من فيض الاجندات والمشاريع التدميرية والتخريبية التي تدار وتوجه في مجملها من الخارج، وينبغي علينا ان نلتفت الى حقيقة مهمة في اطار قراءة الواقع الاقليمي قراءة شاملة، وهي ان اندحار الجماعات الارهابية في سوريا، وفشل مشاريع الاسقاط الخارجية التي راهنت عليها السعودية وتركيا وقطر واطراف اخرى، دفع بعض او كل تلك الاطراف الى التعويض عن خسارتها في سوريا بالتحرك في العراق، وتحريك ادواتها الارهابية – الاجرامية لتعيد توسيع مشاهد الرعب والفواجع في شمال البلاد وجنوبها ووسطها على السواء.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف خاص دجلة نيوز, مقالات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

2/5/13923

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك