علي محسن الجواري إعلامي وناشط مدني
كثيرة هي الشخصيات التي كان لها بصمة في تاريخنا البشري على وجه العموم وفي أممها على وجه الخصوص ، وكثيرة هي الشخصيات التي كانت مثار جدل بين مختلف الأوساط المتخصصة أو العامة وإذا كان الاختلاف على هذه الشخصية أو تلك بين قوم مؤيدين وقوم معارضين فان المساءلة لا تعدو كونها اختلاف عادي ولكن أن يكون الاختلاف بين أوساط الأمة نفسها ليصل لحد القتال والتناحر فان الأمر يستدعي الجلوس على طاولة النقاش والتأمل ومن قبلها مراجعة جدية وعميقة للمصادر.أن من أهم الشخصيات التي ظهرت في التاريخ وما زال لها نفس البعد ونفس التأثير هي شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، رجل الإسلام الثاني بعد النبي وصيه وابن عمه وحامل لوائه وقائد جيشه ، ولو استعرضنا الأحاديث الشريفة التي قيلت بحقه والكثير من الآيات القرآنية التي قال الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم أنها جاءت بحق علي لوجدناها كثيرة وكثيرة جدا ، إلا أن الباحثين وأهل الشأن قد ركزوا على المفصلي منها كقول الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم يوم الخندق: (برز الإيمان كله للشرك كله) .على أني قراءات مقولة للإمام علي عليه السلام استوقفتني ورغم أنها مرت علي سابقا إلا أني وقفت هذه المرة متفكرا فيها لأجد تقسيم عجيب لطبقات المجتمع لم نعهده من قبل وهو قوله عليه السلام: الناس ثلاث عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع ، وهو أن تمعنا قليلا تقسيم للناس على درجة علمهم وهذا ما لم نعتده في التصنيفات المجتمعية القائمة أساساً على الانتماء الطبقي الاقتصادي كما هو معروف فالناس في المذاهب الاجتماعية والاقتصادية أما طبقة عليا ثرية نبيلة ،أو متوسطة ، أو طبقة دنيا فقيرة ، وهذا لعمري يبرز أهمية علم الإمام عليه السلام ورؤيته للمجتمع ، ناهيك عن عباراته وخطبه وكلماته وحكمه ورسائله إلى حكام ولاياته فترة قيامه بأمور المسلمين .ولعمري كان لعلي عليه السلام عدة أعداء إلا انه سلام الله عليه لم يكن يعادي أحدا ولم يبتدئ بعداوة احد وكان يركن إلى السلم والحكمة ، أما حروب خصومه ضده فقد اكره عليها دفاعا عن الدين والحق ووحدة الأمة وتقديرا للمسؤولية الأخلاقية والعلمية المناطة به ، إلا انه أعلن عدائه وبغضه وهدد وتمنى لو أن باستطاعته أن يقتل (الفقر) ذلك العدو الذي خفت وطأته على الناس أيام حكمه عليه السلام .وقد شهد بفضله أعدائه وأصدقائه على وجه سواء ، وحتى من حاول جاهدا أن يوجد في سيرته العطرة بعض الهفوات والأخطاء ، رد الله كيده على نحره ، نعم فقد حاول الكثيرون من أعداء الإنسانية ومزوري الحقائق أن يبحثوا عن هفوات ليست موجودة بل صورتها لهم عقولهم المريضة إلا أن الرد جاء ربما في بعض الحالات من نفس الجهات التي ينتمون لها ، وما أثاره الكاتب محب الدين الخطيب من أن فترة الفتوحات الإسلامية توقفت في عهد الإمام وكثر الهرج والمرج في عهده لقي جوابا ً من الكاتب طه حسين حينما قال : أن النهب والسلب باسم الإسلام قد توقف في عهد الإمام وان كل من خرج على الإمام إنما خرج عن الدين والجماعة والعقل وازدرى الشورى التي سنها الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم فهو الحاكم الشرعي المنتخب من عموم المسلمين .علي بن أبي طالب الأول في الإيمان والأول في الزهد والأول في العدل والأول في العلم والأول في الإنسانية والأول في....الخ من الصفات النبيلة شخصية عالمية وإنسانية بكل ما تحويه الكلمة من معنى ، بل انه ثاني شخصية مؤثرة على مر التاريخ بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وليد الكعبة بيت الله ، وشهيد بيت الله ، وما بين الولادة والشهادة قضى عمره الشريف مخلصا ً لله ، صابرا على الأذى في جنب الله ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم مات ،ويوم يبعث حيا.
https://telegram.me/buratha