بقلم د. فراس الكناني
عراق الصابرين , وصبر العراقيين كلمات يتردد أصدائها عند كل إنسان أجنبي او عربي , عندما يحاول أن يصف حالهم في مواجهة سني الحرب والاضطهاد الموصولة بالإرهاب ..فما سبب كل هذا الألم ؟ ومن المستفيد من استمراره ؟إن قراءة تأملية في تاريخ العراق القديم والحديث من الممكن أن تبين لنا أن العراق تمتع عبر العصور بثقل سياسي منطلقا من أبعاد ديموغرافية, واقتصادية, وإنسانية امتاز بها عن باقي الدول , فموقعه الجغرافي على مفترق طرق التجارة العالمية , فيه مقومات الحياة وافرة خصوصا الماء والتربة الصالحة للزراعة, يمتلك ثروات مختلفة مادية أولية وبشرية ساعدت على أن تظهر فيه أولى الحضارات, وجعلت منه منارة للعلم وقبلة للناس, مما اثأر حفيظة الكثير من الظالمين والحاسدين الطامعين ..تعرض العراق دائما لهجمات الغزاة, فكل يوم هولاكو جديد في محاولات مستمرة لفرض الهيمنة على مقدراته, والتحكم بأهله الذين علموا العالم الاستقرار و الكتابة وصناعة الفخار , وبرعوا بالفلك والطب والزراعة والتجارة..فأرضاخ العراق وأهله مسألة مهمة, منجز ضخم تتباهى به العتاة ويسعى أليه الجبابرة بحثا عن الخلود والكنوز ..مازال الحال كما كان , ومازال العراقيون من كبوة إلى كبوة ومن غزو إلى غزوة ومن استعمار إلى دمار, وان تخللت أوقاتهم انتصارات وسلم ورقي حضاري تشهد عليه منجزاتنا التاريخية الممتدة من الثيران المجنحة وبوابة عشتار فبرج بابل وجنانه المعلقة وصولا للمراقد الدينية الجامعة والمكتبات العامرة والجامعات العريقة بفضل عزيمتهم وإصرارهم على البقاء نور على نور .أن المضحك المبكي اليوم إننا لم نوظف ما تركه لنا الأجداد من خبرات وتجارب في تاريخنا المعاصر , ولم نبني لنا فهما يساعدنا على مواجهة آلة التبعية والاستعمار لننتصر على مشاريع الحاقدين والمخربين وننتفض على الجبناء الغادرين في وقتنا الحاضر , فنحن أول دولة كان لها برلمان تشريعي يهتم بأمورها الداخلية والخارجية , واليوم نقتبس تجارب الغرب ليكون لنا برلمانا متخبط لا يداعي إلا بحقوقه, لا يتفق إلا بإقرار مخصصاته ومكتسباتها ..في وقت نحن أول دولة كان لنا حاكم يحكم وفق أول دستور عرفته البشرية, نجد اليوم دستورنا مُختلف عليه والحكم اليوم على أساس الموقف لا على أساس الدستور , فلكل حادث حديث ولكل وقت مقال , وربما يمكن تغير الحديث إذا اصطدم بمصلحة فلان وعلان , ولا باس بإعادة كتابة المقال إذا لم يتماشى مع أراء من لديهم سلطة القرار ..عجيب أمور غريب قضية ؟ أيمكن أن يكون كل ما تقدم في عراقنا اليوم ؟ بالتأكيد نعم فعندما تتابع عديد القنوات العراقية التي تتبع مختلف الأحزاب ستجد أن معظم القنوات تغرد بما تشتهي الجهة التي تمثلها , وإذا اجتمع البرلماني مع ضده البرلماني في برنامج تلفزيوني يتبادلون التهم والفضائح , ستستغرب كيف أنهم يلتقون في مكان واحد يسمى برلمان , وكيف أن العراق مازال واحدا للان , ولن تتعجب من كثرة الهجمات الإرهابية وقصص الفساد المالي , وستصدق بان قرارات البرلمان المصيرية كإقرار قوانين الأحزاب والعفو العام والانتخابات مؤجلة إلى إشعار أخر, برغم حاجة البلد الماسة لهذا الأمر فالفترة الرئاسية انتهت , ونحن على أبواب عتبة انتخابية جديدة مهمة ومصيرية لأنها ستحدد شكل الخارطة السياسية, ومن شانها أن تضع نقاط جديدة على حروفنا المتعبة, ربما يكون الغد مشرقا ليس كاليوم غائما, ربما يُوفق العراق بقيادة رئاسية وبرلمانية تحقق ما عجزت عنه الوجوه السياسية الموجودة اليوم, والتي للأسف اتخذت جهدها لتأخير التشريع من باب عسى وان تتحقق أكثر مصالحنا ويتنازل الآخرون عن منافعهم بما يحفظ ماء الوجه فاغلبهم يعون أنهم لن يكون لهم وجود في قابل الأيام على صعيد المشهد السياسي لفشلهم في تحقيق برامجهم السياسية وبعدهم عن هم المواطن ونبض الشارع .. هذا واقعنا المرير بعد أن كان يمر بنا طريق الحرير .. اليوم أصبحت ديارنا تتهاوى فيها الآمال, لا امن ولا أمان إلا عند السادة أصحاب القرار بسياراتهم المصفحة ومواكبهم الضخمة, فما أحوجنا لانتفاضة انتخابية نبداء فيها بمرحلة جديدة تداوي الجروح, ما أحوجنا لبرلمان جديد, حكومة فرسان حقيقية, جديدة فاعلة تلملم ما تبعثر من تالف ووطنية.. توحد القرار وتعمق اللحمة بحكومة شراكة وطنية على أسس منطقية لا افتراضية او ورقية, يقودها أناس أكفاء من رحم المعاناة يؤمنون بالعراق لا بالطائفة والمذهب.. لديهم المقبولية الوطنية والدولية, مشروعهم يسمو بالأمل لخدمة العراق والمواطن , قادرين على التغيير كما يريده ويتمناه اغلب العراقيين .
https://telegram.me/buratha