ابو هاني الشمري
هذه الكلمة شائعة الاستعمال في العراق وبلدان الخليج العربي.يطلق هذا الاسم على مادة متكتلة على شكل احجار بألوان مختلفة ولكن اللون الغالب عليها هو الاخضر الشاحب المائل الى الزرقة وهنالك الوان أخرى كاللون الداكن والابيض والبني والرمادي.يتوفر الطين خاوة لدى العطارين وعند الباعة المتجولين الذين يفترشون الشوارع المؤدية الى العتبات المقدسة المنتشرة في العراق فيبيعونه على شكل اكوام كل كومة بسعر معين.تستخدم النسوة في معظم بلداننا العربية هذه المادة بعد اضافة الماء لها وعمل عجينة منها في اعطاء الشعر نعومة ولمعاناً عند طلائه بهذه العجينة, كما يستخدمنه كقناع للوجه للتخلص من البثور والحبوب المتقيحة التي قد تظهر عليه فيعالجها ويعطي الوجه بشرة طرية جذابة (وهوفعلاً كذلك).هذا الموضوع ليس دعاية للطين خاوة ولكن كتابة هذه المقدمة ضرورية لكي يتعرف الانسان المحب للاطلاع على هذه المادة الطينية المهمة والتي تسمى (البنتونايت) ومقدار استخداماتها في مختلف مجالات الحياة ومقدار الاهمال والتخلف الذي تعيشه دولنا العربية وخصوصاً العراق في عدم استغلال هذه المادة بالشكل الامثل لكي نحصل منها على اقصى مدى من الفائدة المتوخاة كما تفعلها العديد من البلدان المتقدمة وبلدان العالم الثالث كالباكستان على سبيل المثال.البنتونايت باختصار شديد هو مكون طبيعي من الطين الذي تشكل مجموعة السمكتايات نسبة كبيرة منه. وهو مركب من نسب مختلفة من مواد معدنية مختلفة كالكوارتز والفيلدسبار والكريستوباليت والزيوليت والكالسيت والزجاج البركاني ومعادن طينية مثل الكاؤلينايت, كل هذه المركبات تختلف نسبتها بأختلاف المنطقة التي يتواجد فيها البنتونايت.هنالك انواع مختلفة من البنتونايت حسب طبيعة تكونه الجيولوجي منها البنتونايت الرسوبي والذي تكون نتيجة لتحول ترسبات الرماد البركاني في بيئة رسوبية والبنتونايت الهيدروحراري الذي تكون نتيجة لتحول الصخور البركانية ذات التركيبة الحامضية بالطريقة الهيدروحرارية. هذا النوع من البنتونايت فيه اختلاف كبير في النوعية بسبب التحول الجزئي للصخور الاصلية.يستخرج البنتونايت بالحفر المباشر من الارض وتجري عليه عمليات تصنيع مختلفة من تصفية وتجفيف وطحن وغربلة وأضافة مواد كيمياوية محددة للحصول على نوعيات معينة من البنتونايت والتي تستخدم لاعمال صناعية معينة.يمتاز مسحوق البنتونايت بملمسه الدهني ونعومته. وعندما يضاف له الماء فأنه يتمدد ويزداد حجمه بين 8 الى 15 مرة اعتماداً على المركبات الموجودة فيه (كالسيوم أو صوديوم). هذه الصفة المهمة جعلته من اهم المواد التي يمكن استخدامها في عمليات تقليل الرشح في مياه الانهار والبحيرات وغيرها. يدخل البنتونايت في العديد من الصناعات منها على سبيل المثال لا الحصر صناعة الزيوت وفي زيوت التشحيم وتنقية المياه وكمادة رابطة لرمل السباكة وفي امتصاص الروائح وفي حبر الطباعة ومساحيق التجميل والاصباغ اللاصقة وفي انتاج الحديد الخام وفي عمليات حفر الابار وصناعة السيراميك والعوازل والصناعات الطبية وغيرها من الصناعات مثل انتاج المبيدات والاسمدة وتنقية الزيوت والمشروبات الكحولية وفي وحدات معالجة المياه الثقيلة, كما انه يستخدم في المشاريع الهندسية لتثبيت الترب غير الثابتة حيث يضاف لها بنسب محددة, وكمادة تبطين لمنع رشح الماء والسوائل الاخرى مثل لب السداد الترابية وتبطين الانهار والبحيرات واحواض تربية الاسماك وكذلك لتبطين مكبات النفايات.الغاية من كل ما ذكر اعلاه هو أن البنتونايت (الطين خاوة) موجود في مناطق مختلفة من العراق شمالاً مثل كرميان وجنوبا وغربا وشرقا كما تشير لذلك بيانات الهيئة العامة للمسح الجيولوجي العراقية ولكن مما يؤسف له أنه لم يستخرج ويستخدم لحد هذه اللحظة بالشكل المطلوب لكي يرفد البلد بما يحتاجه من هذه المادة المهمة.العراق من البلدان الزراعية التي اصبحت تعاني من شحة المياه الواردة اليها بسبب قيام دول الجوار بأنشاء السدود الكبيرة وحجز المياه الواردة الينا. لذلك بات من الضروري استخدام الطرق العلمية في الزراعة والمحافظة على المياه الواردة الينا بالشكل الصحيح. والبنتونايت هو واحد من تلك الطرق التي اصبحت اكثر شيوعا في استخدامه كمادة مانعة للرشح في تبطين القنوات أو في تحسين التوصيلية الهيدروليكية للتربة وتخفيضها الى حدود تصل الى اقل من (1х 10Λ-9 مثا) عند خلطه معها كما أنه اصبح من اكثر المواد استعمالا في صناعة (بطانة النسيج-الطين) والذي يسمى (Geosynthetic Clay Liner) ويكتب اختصاراً GCL.والحمد لله فالبنتونايت موجود والنفط الذي تستخرج منه البوليمرات التي تصنع النسيج الصناعي ايضا متوفر في العراق بل اقتصاده يعتمد على النفط وما نحتاج اليه هو تنظيم انفسنا لصناعة هذه المواد لا أكثر.تقدر ضائعات المياه التي تذهب بسبب الرشح الى التربة فقط في العراق بين 30 - 40% من مجموع المياه الواردة اليه. وسؤالنا ماذا لو تمت السيطرة على هذه الضائعات وتقليلها الى اكثر من النصف؟لماذا لا تقوم وزارة الزراعة او الجهات المعنية المسؤولة عن منح الاجازات لاصحاب بحيرات الاسماك بوضع شروط على صاحب المشروع بتبطين البحيرة بمادة تقلل من الرشح قبل الموافقة على منحه الرخصة؟لماذا لا تقوم وزارة الزراعة او الجهات المعنية بوضع شرط على المستثمربن للاراضي الزراعية بتبطين القنوات التي ستوصل الماء الى اراضيهم بالبنتونايت ابو بالعوازل الاخرى او بالتبطين بالكونكريت واستخدام التقنية العلمية في الارواء قبل منحهم اجازة الاستثمار؟ماذا سيحدث لو قامت وزرارة الموارد المائية او الجهات المعنية بتبطين ارضيات خزانات المياه التي ستتكون في مقدم السدود التي تنشئها الآن أو مستقبلا وكم هو مقدار المياه التي ستحفظ نتيجة لمنع ترشحها؟استخدامات البنتونايت في مجال هندسة البيئة وتحسين خواص التربة هو موضوع شيق ادرجته في احد فصول كتابي الذي سيصدر ان شاء الله في العام القادم او في نهاية هذا العام ليرفد المكتبة العلمية والطلبة والباحثين والمقاولين والناس المهتمين بالبيئة مصدرا خصباً ومعيناً لهم تفتقر اليه المكتبة العربية بشكل عام وما ورد اعلاه هو جزء يسير جدا من الموضوع, وعسى أن يطيل الله في عمرنا لكي نتم هذا الجهد الذي صرفنا فيه وقتاً طويلاً كي يكون علم ينتفع به بعد رحيلنا من هذه الدنيا الفانية.
ملاحظة: سبب كتابتي لهذا الموضوع هو محادثة عبر الهاتف مع أحد الاخوة الاعزاء يعمل في احد الدول الخليجية بينما يعيش كاتب هذه المقالة (اقصد نفسي) في دولة اروربية وهو يشاهد كيف تستغل هذه المادة في الصناعات المختلفة وفي عملية التبطين بشكل خاص. لذلك وجدت الموضوع مناسباً للاطلاع لكي نعرف مقدار التدهور الذي تعانيه كل مجالات الحياة في بلدي (العراق)
ابو هاني الشمري
https://telegram.me/buratha
