محمد الحسن
عندما تتسع الفجوة بين النظرية والتطبيق؛ تتداخل الخطوط وترتبط الممارسة بمزاجيات الولاة, فتصبح القوانين مختزلة بإرادة الأشخاص, يصنعون منها ما يوافقهم فقط. نتيجة لذلك, تتلاشى ملامح الدولة تدريجياً, وبغياب الدولة تبحث الناس عن شيء من علاماتها, الأمن؛ النظام؛ العدالة, أي شيء, و أحياناً يتولد حنين ساخر للماضي نكاية بمن يحكم اليوم..! تضمّن الدستور العراقي نصوصاً كثيرة تجّرم حزب البعث وتمنع الترويج له, بإعتباره نهجاً إجرامياً صار له مفهومه الدموي الخاص, كما النازية أو الفاشية. من يبحث عن جيل الجنرلات الصدامية وشيوخ العشائر من البعثيين, لن يعاني كثيراً, فالدولة تعجّ بكبار البعث وصغاره. قانون المساءلة والعدالة أو إجتثاث البعث, حوّله دولة الرئيس إلى باب يلجّ عبره أعضاء الحزب المحظور دستورياً, بطاقة أستثناء من ربان سفينة المصالحة الوطنية, المخرومة, تكفل تسلّط من تلطخ بالدماء حتى هامة رأسه!..قد يكون أستخدام هؤلاء من باب سياسة الضد النوعي, غير إن خرق القانون حدث بإرادة شخصية لتحقيق غاية فئوية, ولو كان ضمن إجماع وضوابط متفق عليها لهان الأمر.الثقافة البعثية التي طغت على التعامل الأمني في العراق, هي نتيجة التواجد الكبير للقيادات العسكرية المشمولة بذلك القانون. أغلب جنرلات البعث مؤدلجة في مدرسة من العسير عليهم لفظ أدبياتها, لذا نجد الكثير من قادة الألوية والفرق, والممسكين بتلابيب الأمن, هم من الجاحدين بعملية التغيير, فلم يؤمنوا بالعراق الجديد. غاية تواجدهم, بناء أمبراطوريات مالية أو سلطوية, و أحياناً كخرق لتسهيل عملية الضرب من الداخل.أثبتت سياسة الأزمة والإنشغال بإدارتها؛ عدم القدرة على التفاعل الإيجابي مع الجماهير, مهما حيّدت أو كسبت من الأصوات, ناهيك عن أرباكها للعمل السياسي, وتعطيل دور البرنامج كأساس في العملية الديمقراطية وركيزتها الأهم (الأنتخابات)..من يصنع الأزمة يصعب عليه السيطرة عليها. الدولة العراقية موّحدة بعلم واحد, وتعيش في وجدان الشعب كتلة واحدة, غير إنها كحقيقة لم تعد منظورة؛ فلفتها سبل الضياع في محاجر شهوة السلطة والفوضى السياسية التي تمثل عنصر كسب لساسة الدعوة.الطبيعة الإنسانية لا يمكن إن تتقاطع مع الإجماع, سيما في عصر تكنلوجيا المعلومات ووسائل الأتصال, فصارت أنظار الشعب تتجه صوب الدول التي سبقتنا بفاصلة زمنية كبيرة, ومع إنكفاء الدولة, إنكفأت الرغبة الشعبية المتطلعة نحو مستقبل أفضل..فالماضي أسلم من المجهول..!من يتصور أن يهتف مجموعة من الباعة في كربلاء بحياة المقبور صدام؟! قد يسوّف الحدث, بداعي قلة العدد, غير إنها تمثل سابقة خطيرة تعكس الفكر الشعبي المتحول لمناهضة العملية السياسية.لم تخرج تلك الصيحات بصورة عفوية أو آنية؛ إنما هي إرتدادات لما يحصل في البلد من كوارث إنسانية, شعور تراكمي بالضياع, خرج في أول مواجه!.. خلجات باحثة عن الذات وسط صراع الحياة مع الموت, هي تجليات فشل السلطة لدى العامة. قد نسمع صرخات أخرى منادية بعودة النظام المقبور, أو نظام شبيه, وسيُسرّ الدعاة بهذا المطلب, بيد إن حصولهم على ولاية ثالثة -أياً منهم- يعني: وطن يغوض في دماء غزيرة, وبطالة حائرة..ثم رغبة شعبية جامحة في إسقاط الجنسية..!
https://telegram.me/buratha