المقالات

فضيحة التجسس الأمريكية الدوافع والأهداف !

717 09:08:00 2013-10-29

*قسم التوجية السياسي والوطني _قسم الصحافة_‎جامعة الازهر‎

يمكن إيجاد العذر للولايات المتحدة، في ملاحقة أعدائها بغية درء الأخطار المحتملة ضمن القوانين الدولية المسموح بها، ولكن ليس بأي حال أن نجد لها العذر في جمعها الدول في أنحاء العالم تحت عيونها، وفي بؤرة آذانها المشنّفة طوال الوقت، بهدف التحكم فيها والتطاول عليها والاستفادة على حسابها. في الآونة الأخيرة، كثُر الحديث حول سلوك الإدارة الأمريكية نحو اعتمادها الأعمال التجسسية والتنصت ضد الدول على اختلافها، على نحوٍ أثار الدهشة والغضب من قِبل عامة البلدان التي تعرضت للتجسس وبخاصةً الدول الأوروبية.

وهي تعلم مسبقاً بأن أعمالها ممنوعة وغير مقبولة لدى المجتمع الدولي مهما كانت المبررات، بسبب أنها تأتي بطرق التفافية - لصوصية- من شأنها أن تشكل ضربة خطيرة للتعاملات الدولية، وبشكلٍ أدق، فقدان للثقة المتبادلة، التي بموجبها تُحدد العلاقات الثنائية فيما بينها، ومع ذلك لجأت وبكل وقاحة إلى ذلك الفعل. ربما مجموع الهزائم المتتالية التي شربتها الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، كانت سبباً في تطوير سياستها التجسسية حول العالم، اعتقاداً منها في أنها تساعد في تعويض خسائرها السياسية والعسكرية والاقتصادية، والإبقاء على ما أمكن من امتداداتها داخل سياسات الدول وقراراتها بشأن القضايا التي تهتم بها في كل زمان. من خلال استخدامها تقنيات متقدمة، تتيح لها من خلال وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية، مراقبة وفرز المعلومات عبر قاعدة بيانات خاصة للاستفادة منها. لم تتوقف الولايات المتحدة على إعمال جواسيسها وتنصتها على الدول المناهضة لها، أو على الجماعات المنتمية لتنظيمات مناوئة، أو حتى بالتجسس على مواطنيها داخل البلاد وخارجها، بشأن محاربة ما تطلق عليه الإرهاب،بل امتد الأمر للتجسس على أصدقائها وأقرب حلفائها من الدول، سواء العربية والإسلامية والأوروبية بما فيها الحليفة إسرائيل، حيث أكّد رئيس الموساد الأسبق "داني ياتوم" بأن الاستخبارات الأميركية تنصتت وما زالت تتنصت على محادثات هاتفية لكبار المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" وأفراد آخرين في الدولة. لقد اعتمدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على فكرة إعمال الملاحقة والتنصت أينما تكون مصالحها، سواء السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، بغرض جمع المعلومات، للوقوف على كيف تفكر الدول حول قضيةٍ ما، وما هي نقاط القوة التي تعتمدها ونقاط الضعف التي تهابها، وخاصةً فيما يتعلق بالأزمات الأمنية والعسكرية، بهدف الاستفادة منها بحسب حاجتها. وفيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، فإن عملية جمع المعلومات تساعد على التحكم في أسعار السوق، الصناعية وتحديد الكميات المعروضة والمطلوبة ومعرفة اتجاهاتها، إلى جانب الأهداف التي تمكّن من الحصول على معلومات تكنولوجيّة وتقنيات جديدة في المجالات الصناعية والعلمية المختلفة، وخاصةً تلك التي تحوزها الدول الصناعية المتقدمة.

ولقد طالت أعمال التجسس الأمريكية على هذه المستويات، مئات الهواتف النقالة والخاصة بزعماء وقادة أكثر من 35 دولة مهمّة –صديقة وعدوة- حول العالم، بالإضافة إلى هواتف وحواسيب مئات الملايين من المسؤولين والمواطنين العاديين، فعلى سبيل المثال، فقد قامت بالتنصت على أكثر من 70 مليون مكالمة على هواتف فرنسية -كدولة صديقة- خلال شهرٍ واحد فقط، وقد نالت إيران وحدها – كدولة عدوّة- أكثر من خمسة عشر مليار تنصتاً من مجموع محادثاتها الهاتفية ورسائل بريدها الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة أيضاً. الصدمة كانت من نصيب ألمانيا، حيث كانت تستبعد حدوث شيء من هذا القبيل باعتبارها من الحلفاء المقرّبين، حينما أعلنت مخابراتها الفيدرالية، أن هاتف المستشارة "أنغيلا ميركل" قد تعرض للتنصت من جانب الاستخبارات الأميركية، الأمر الذي دعا "ميركل" للتحادث مع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بهذا الخصوص. وبالرغم من نفي "أوباما" ذاته حادثة التنصت، إلاّ أن البيت الأبيض لم يشأ إنكارها وألمح إلى الاعتراف بها، بسبب أنها ستثبت يوماً ما، حينها ستكون الولايات المتحدة أمام حرجٍ مضاعف، واكتفى بالتقليل من شأنها، وبأن ذلك الفعل لن يتكرر في المستقبل.

وفي ذات الوقت طالب بالقبض على عميل الاستخبارات الأميركي "إدوارد سنودن"، المقيم في روسيا. باعتباره مسؤولاً عن تسريب وثائق أضرّت بالأمن القومي الأمريكي. وفي وقتٍ لاحق اعترفت "جان أساكي" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، صراحةً، أن الولايات المتحدة تقوم بعمليات تنصت حول العالم، بهدف جمع معلومات لِما يحدث حول العالم لحماية مواطنيها وأراضيها وحلفائها، واعتبرت أن ذلك ليس سرّاً. باعتبار أن كل جهاز استخبارات في العالم يقوم بجمع معلومات

. كما أن "مادلين أولبرايت" وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة سارعت إلى تبرير عمليات التجسس الأمريكية، على أن الدول تحتاج في بعض الوقت للّجوء إلى هذا السلوك، واستندت إلى زعمها، بأن فرنسا كانت تجسست على محادثاتها، عندما كانت سفيرة لبلادها في الأمم المتحدة خلال الفترة من 1993 إلى 1997، وأكّدت في نفس الوقت بأن ليس من المفاجئ لأحد، تجسس الدول على بعضها البعض.

وبالرغم من التقليل الأمريكي لتلك الفضيحة، إلاّ أن كافة الدول المستهدفة أعربت عن احتجاجها لدى الولايات المتحدة، بأن خلقت تحديات كبيرة في علاقاتها معها، وهيمن الخلاف ضدها على القمّة الأوروبية، التي عقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل

. حيث أعلنت كل من فرنسا وألمانيا عن مبادرة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة، ودعت بقية الدول إلى الانضمام إليها، لمعرفة حقيقة التجسس الأميركي على دول في الاتحاد بشكل كامل، ومعرفة مدى احترام الولايات المتحدة للحدود الفاصلة معها، والتي تتوقف على استمرار الحفاظ على استقرار مستوياتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية أيضاً. ومن ناحيةٍ أخرى عدم اضطرارها لإحياء القانون الصادر عن الاتحاد الاوروبي، والذي بمقتضاه سيجبر شركات أمريكية مثل الفيس بوك - ياهو– جوجل، بالحصول على موافقة الدول الأوروبية قبل تسليم أيّة معلومات للسلطات الأمريكية.

  إن انكشاف فصول متطورة لفضائح التجسس الأميركي على دول في العالم وخاصةً الحليفة والصديقة، توضح بصورة واضحة مدى إصرار الولايات المتحدة على السيطرة على العالم إلى أطول مدة ممكنة، في إطار التنافس القائم بين واشنطن وأوروبا وباقي أقطار العالم على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية وخاصة السيطرة الاقتصادية. بسبب أنها ترى نفسها إلى حد الآن بأنها دولة عظمى، وفي اعتقادها بأنه مسموح لها بعمل أي شيء وبدون قيود- أدبيّة أو أخلاقيّة-، وإن أضرّ ذلك العمل بكل شيء.

وهذا يشمل كافة العمليات التجسسية والتنصتية، التي لن تكلّفها في حال انكشافها سوى القليل من الاعتذار، وبالتالي لن تكون مضطرّة بالتعهّد، للكف عن مواصلة تجسسها، وإن تعلق الأمر بالمزيد من الفضائح.

 

19/5/131029/ تحريرعلي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك