نزار حيدر
ليس كل من طلب حقاً ناله، فقد يكون ما يريده واجبا، يظن انه حق، والعكس هو الصحيح، لماذا؟. اكثر الناس تختلط عليهم الامور، فلا يميزون بين حق لهم وواجب عليهم، فكيف ومتى ينتزع المرء حقه؟ كيف ومتى يحصل عليه؟ وهل من حقه ان يتنازل عن حقه؟ وكيف؟ ولماذا؟ واخيرا، هل ان المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، حق أم واجب؟ وهل يحق للمواطن ان يتنازل عن حقه في الاقتراع؟. اولا: ينبغي على كل مواطن ان يعرف ما هو حقه على الدولة على وجه التحديد، حقوقه التي كفلها الدستور والقانون، ليعرف جيدا ما الذي يحق له ان يطالب به، وما الذي لا يحق له ان يطالب به، من جانب، ومن جانب آخر، من اجل ان لا يطالب بشيء هو واجب عليه ان يؤديه للدولة او للمجتمع، ظنا منه انه حق من حقوقه عليهما، ومن جانب ثالث، من اجل ان لا يخدعه المسؤول بعطاءات هي من حقه، يظنها انها مكرمة منه فيصفق له ويمتدحه ويشكره ظنا منه بان المسؤول قدمها له من جيبه الخاص، او من مال ابوه، فترى المواطن، مثلا، يلهج بذكر الزعيم ليل نهار لانه منحه قطعة ارض مثلا او منحة فرصة عمل او ما أشبه. ثانيا: اذا عرف المواطن حقوقه الدستورية، عندها عليه ان يعرف عند من هي؟ ومن اين يأخذها؟ وكيف يطالب بها؟ فان معرفة الجهة المسؤولة عن هذا الحق امر مهم جدا، فقد يكون لك حق عند زيد وانت تطلبه من عمرو، فعندها سوف لن تحصل عيه، بل انه ليس من حقك ان تطالب به عند من لا يعنيه الامر. في العراق اليوم تتوزع حقوق المواطن بين مجلس النواب والحكومة المركزية والحكومات المحلية، وان على المواطن ان يحدد جيدا حقه الدستوري اولا، ومن ثم عليه ان يعرف الجهة المسؤولة عن منحه هذا الحق، اما اذا تخبّط في طلب الحق من غير موضعه، فانه سيظلم من هو فوقه من دون ان يحصل على حقه. ثالثا: الشجاعة في طلب الحق، فالخائف والمتردد والشاك، لا يحصل على حق ابدا. ينبغي على المواطن ان يتحلى بالشجاعة لينتزع حقوقه الدستورية من الدولة، خاصة في بلد كالعراق الذي تضيع فيه حقوق المواطن لأبسط وربما أتفه الأسباب، ولقد قيل قديما (ان الحقوق لا تُمنح وإنما تؤخذ او قل تُنتزع) فلو كان الامر بيد المسؤول لضلل الامر على المواطن حتى ظن انه ليس له اي حق في البلد، لكثرة ما يسمع من المسؤولين كلاما عن واجباته والمكرمات التي يقدمونها له من دون ان يحدثه احدهم عن حقوقه وواجب المسؤول تجاه المواطن. والان: هل ان الاقتراع حق ام واجب؟. برايي، فان الاقتراع حق كفله الدستور والقانون لكل مواطن، وهو، في نفس الوقت، واجب فرضه الوطن على المواطن. بمعنى آخر، انه حق دستوري وواجب وطني. فمن جانب، يتحدث الدستور مع المواطن قائلا له: أيها المواطن، لقد كفلت حقك في الاقتراع، ولذلك لا يحق لاحد، مهما أوتي من قوة وسلطة، ان يمنعك من المشاركة في عملية الاقتراع يوم الانتخابات، ومن جانب اخر، فان الوطن يتحدث الى المواطن بالقول: أيها المواطن، ان من حقي عليك ان تقترع لتغير وتبدل، فالواجب يحتم عليك المشاركة، ان لم يكن من أجلك انت فمن اجلي، ومن اجل الشعب، ومن اجل مستقبل الأجيال الجديدة، ومن اجل خيرات البلاد، فكيف لا يؤنّبك ضميرك وانت ترى ثلة من اللصوص والفاشلين والإرهابيين يعيثون فسادا فيّ؟ كيف لا تثور غيرتك وانت ترى من تكالب عليّ ليغتصبني ويعتدي على شرفي؟ أليس فيك ذرة من رجولة او شهامة تدافع بها عني؟ الا يدفعك ذلك الى ان تتخذ قرار المشاركة في الاقتراع لتساهم، ولو بصوت واحد، في التغيير المرجو والمطلوب؟. ان مشكلة الكثير من المواطنين انهم يستهينون بصوتهم، ويستحقرون قدرتهم الذاتية على التغيير، ويستبعدون او قل يلغون تأثير صوتهم في احتمال التغيير، ولو تذكر هؤلاء بانهم ليسوا أصواتا معدودة او تافهة، وإنما هم الأغلبية الصامتة ربما، لعرفوا بانهم قادرون على التغيير حتما. لقد كتبت لي احدى المواطنات من بغداد تقول: في الانتخابات الماضية قرّرنا، نحن مجموعة في دائرة انتخابية معينة، ان لا نمنح اي صوت لإحدى القوائم الانتخابية، ولتحقيق ذلك، حشّدنا الشارع بشكل واسع، فكانت النتيجة ان سقطت تلك القائمة ولم تحصل على شيء في دائرتنا. ان هذه الطريقة من التفكير والعمل مثمرة بلا شك، ولقد عمل بها السود في الولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات الرئاسية قبل الماضية ليدخل، ولأول مرة في تاريخ البلاد، رجل اسود في البيت الأبيض، بعملية تحشيد مهولة شاركت فيها نسبة () من السود، فيما كانت اعلى نسبة لهم في المشاركة في المرات السابقة () فقط، الامر الذي غيّر وبدّل. ان على الناخب ان لا يستهين بقدرته على التغيير من خلال صوته، كما ان عليه ان لا يستحقر الصوت الواحد في العملية الانتخابية، فقديما قيل (ان البحر يتشكل من قطرات).
وتزداد نسبة الواجب كلما ازدادت اهمية صوت المواطن، والظرف السياسي والأمني الذي تمر بها البلاد، فمن قال ان نجاح او فشل هذه القائمة الانتخابية او تلك لا يتوقف على صوتك؟ من قال ان نجاح العراق، كدولة، او فشله لا يتوقف عليك انت تحديدا؟ بالتأكيد لا احد يدري على وجه الدقة، ولذلك فان على الجميع ان يتصور ان صوته، وليس اي صوت آخر، هو الصوت الوحيد الذي سيؤثر بشكل مباشر في عملية التغيير، ما يعني انه المسؤول الاول والأخير، ولذلك فان عليه ان يقترع بالتأكيد.
هل يجرؤ احد على ان ينفي احتمال تأثير صوته في العملية الانتخابية؟ اذا كان الامر كذلك، فانه سيكون بمثابة توقف الواجب على زيد مثلا، فسيكون من واجبه، إذن، ان يفعل، كواجب عيني لا يسقط عن احد ابدا اذا لم يحققه احد.
ليتصور كل مواطن بانه وحده فقط هو الذي سيقترع، ولذلك فان صوته فقط هو الذي سيقلب المعادلة لصالح التغيير، فإذا فكر الجميع بهذه الطريقة، فسوف لن يتخلف احد يوم الاقتراع.
لنتصور جميعا بان مريضنا بحاجة الى من يتبرع له بقنينة دم، قنينة واحدة فقط لا غير، فلو ان كل واحد منا قال، في الآخرين كفاية، او فيهم الخير والبركة، فسوف لن يتبرع له احد بشيء وستكون النتيجة موت المريض، اما اذا فكر كل واحد منا بانه وحده الموجود الان وانه وحده، دون غيره، القادر على التبرع، فهو الوحيد الان القادر على إنقاذ المريض، فسنهرع جميعا لإنقاذه وعندها سيقع الاختيار على واحد منا يتبرع بدمه لإنقاذ المريض، من هو هذا الواحد، لا احد يدري قبل ان نحصر جميعا.
انه الوطن أيها الاحبة، فهل نهرع جميعنا لإسعافه؟ ام سنقول؛ في الآخرين كفاية، ان فيهم الخير والبركة؟ وعندها فسيتّكل بعضنا على البعض الاخر، والنتيجة، لا احد يحضر يوم الاقتراع لإنقاذه؟.
قد يُخيّر المواطن بين ان يمارس حقه الانتخابي او يتنازل عنه، في الظروف العادية، وفي وقت الاستقرار، اما في وقت الشدة والمحنة فليس من حقه ذلك ابدا، لان حقه سيكون واجباً وطنيا، ملك للوطن والمجتمع على حد سواء.
آذار
للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber: + 1 (804) 837-3920
https://telegram.me/buratha